ينتقل منتخبنا لكرة القدم، بعد أيام، إلى مرحلة جديدة لم يخبرها سابقاً من التصفيات المؤهلة لكأس العالم، التي تستضيفها البرازيل هذه المرة في العام 2014. نتمنى لمنتخبنا التوفيق في بلوغ النهائيات عن قارة آسيا، لأول مرة في تاريخه، لكنه سيكون طبيعياً أن لا نفوز بكأس العالم، أتدرون لماذا؟!
لأن الرياضة ليست إلا واحدة من الأدوار التي نتوزعها جميعاً على شكل أعمال وحرف ومهن. وأسأل دائماً من يلومون فرقنا الرياضية على ضعف إنجازاتها، عن مستوى إنجازاتهم هم في مهنهم، مقارنة بنظرائهم في دول العالم التي تفوز بالبطولات الرياضية: لماذا يتوقع المهندس أن يكون فريقنا الرياضي مميزاً، بينما هو ليس مهندساً مميزاً؟! ولماذا يريد الكاتب الصحفي أن يعود فريقنا بالكأس، بينما هو لا يجيد إنتاج كتابات سليمة ومفهومة، إلا إذا خضعت لإعادة تركيب من المحررين؟! ولماذا يتوقع الممثل أن يكون فريقنا الأول عربياً، بينما هو لا حضور له في الساحة الفنيّة العربية؟!
علينا أن نتذكر أن "إنجازات" الشعوب، في مختلف المجالات، لا تنبع من فراغ، وإنما من تكامل النهوض الوطني، كنتيجة حتمية للتخطيط الاستراتيجي الناجح، والتنفيذ الجماعي القويم. أما حين لا يكون ثمة تنفيذ جماعي، فإن النجاحات المتفرقة ستعتمد على مدى توافر الإخلاص الفردي؛ فنجد حالات فريدة من التميّز في بعض المجالات، قد تكون منها الرياضة أو الطب أو الفنون، لكن ذلك لا يكون بمثابة قاعدة عامة، وإنما مجرد حالات تميّز لأصحابها.
وما دام الأمر يعتمد على "الأخلاق الفردية!"، يكون طبيعياً أن يوجد مهنيّون وحرفيّون محترمون ومحترفون، يفون بوعودهم، ولا يغشون الناس، ويؤدون أعمالهم على أكمل وجه وأحسن صورة، في البناء وأعمال النجارة والحدادة والميكانيك، وفي الطب والتجارة والهندسة والمحاماة والصحافة والتعليم، تماماً كما يكون طبيعياً أن يوجد أكثر منهم، من هؤلاء الذين لا ينطبق عليهم مثل ذلك الوصف، كالذين يدخلون مهنهم بخبرات قليلة ومحدودة، أو يتصفون بسوء السلوك في ممارسة أعمالهم رغم قدرتهم على تجويدها وإتقانها، كأن يطلب واحدهم أجوراً مبالغاً فيها مستغلاً حاجة الناس وضيق أوقاتهم، أو يستعمل مواد أولية ضعيفة الجودة بعد أن يكون وعد "الزبون" باستعمال مواد جودتها عالية، أو ينتج مواد إعلامية وتعليمية سطحية وغير دقيقة رغم قدرته على إنتاج ما هو أحسن منها.. إلى غير ذلك من ممارسات معيبة، وصف المتنبي سوءها بقوله البليغ: "ولم أر في عيوب الناس شيئاً... كنقص القادرين على التمام".
قال مدرب أجنبي مرة، جاء لتدريب فريقنا لكرة القدم، بعد أول اختبار لياقة بدنية للاعبين: "هل لديكم كرة قدم حقاً؟!". كان ذلك قبل نحو 20 سنة، وقد تغيّرت الأحوال وتحسنت هذه الأيام، لكن علينا أن نتساءل معه، بصدق، إن كان لدينا صناعة، أو زراعة، أو بحث علمي، على النحو الذي يتطابق والمقاييس والنجاحات العالمية، قبل أن نعتبر عودة رياضيينا من الألعاب الأولمبية من دون ميداليات ذهبية أو فضيّة أو برونزية، بمثابة "إخفاق وطني" يُلامون عليه، متناسين أن الإخفاق يكون أكبر، حين لا تتواجد أي من جامعاتنا العربية ضمن قائمة أبرز 500 جامعة في العالم!
أغلب الظن أن الأحوال تحسنت في كرة القدم، لأن القائمين عليها باتوا يحرصون على التمام في ما يقدرون عليه، أي على أداء واجباتهم بإتقان، بحسب استطاعتهم وخبراتهم وظروفهم، وذلك يؤشر على أن تجويد أعمالنا الأخرى إنما يبدأ من حرص على التمام: إن تملكنا نجحنا، وإن واصل غيابه عن أعمالنا، ظل عيباً لا يدانيه عيب، كما كان في زمن المتنبي!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  سامر خير أحمد   جريدة الغد