لا يساورني شك في أن النصوص التي انطوى عليها مشروع قانون الضريبة الذي أعدته الحكومة، تتطابق إلى حد معقول مع متطلبات الإصلاح الاقتصادي الذي نادت به قوى عديدة منذ عامين وحتى اليوم. ويسجل لوزير المالية سليمان الحافظ، جانب من هذا المنجز الذي يحقق تصاعدية الضريبة على الأفراد والمؤسسات، طبقا للنص الدستوري؛ سعيا إلى توزيع العبء وتحقيق العدالة.
ستزيد إيرادات الخزينة من الضريبة حتما في حال أُقر هذا المشروع، لكن يبقى تساؤل أساسي: هل سيأخذ القانون المقترح من الأغنياء لصالح الفقراء؟ والإجابة عن هذا السؤال تستدعي البحث في طريقة عمل دائرة ضريبة الدخل والمبيعات الأكثر تأثيرا في حالة الخزينة، ومدى قدرة كوادرها على تحقيق فرق في الأداء.
وإذا سلمنا بأن أدوات الماضي تدفعنا اليوم إلى السؤال عن حجم التهرب الضريبي وارتفاع منسوب ديون هذه الدائرة على كثير من المكلفين؛ أفرادا وشركات، فإن المبالغ "الضائعة" تدعونا إلى البحث عن طريق جديدة بعد أن سلكنا طريقا لم تحقق النتائج المثلى.
ثمة مبلغ كبير لا يجب التهاون في التعامل معه، ويفوق حجمه مليار دينار، يمثل الضرائب التي لم يتم تحصيلها. وهي بمثابة ديون متراكمة لدائرة الضريبة على مكلفين، مضى عليها سنوات. والحديث عن التهرب الضريبي في الأردن ليس ترفا، بل أولوية، وحجمه لا يقل عن 600 مليون دينار سنويا. ورغم أن التهرب من الضريبة جريمة، إلا أن الفترة السابقة لم تشهد جدية في ملاحقة المتهربين وتضييق الخناق عليهم، فاستمرت هذه الجريمة وتفشت.
في المادة 55 من مشروع القانون الجديد، ثمة عقوبات بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار، لكل من تهرب أو ساعد أو حرض غيره على التهرب من الضريبة. وكنت آمل لو تم تغليظ هذه العقوبات على نحو أكثر حزما، لتقليص هذه الجريمة التي تمس حقوق الخزينة، ومن ورائها الفقراء وكافة الأردنيين.
المطلوب، إذن، أن تتحول مديرية مكافحة التهرب الضريبي من إيقاعها الوظيفي الحالي، إلى خلية عمل لا تتوقف، بحيث لا يكون عدد المقدرين فيها ثلاثين مقدرا فقط، بل أن يتضاعف هذا العدد عشر مرات على الأقل، ليتسنى لهم البحث والتقصي الميداني، وشمول كافة أرجاء البلاد بذلك.
في مديرية كبار المكلفين التي تقدم للخزينة 80 % من إيرادات ضريبة الدخل، وبما يقارب ملياري دينار، فإن عدد المقدرين هو 25 مقدرا فقط، يتعاملون مع نحو 500 ملف كبير، بتفاصيل محاسبية دقيقة. ولا يخفى على كثيرين أن عددا غير قليل من الخبرات التي كانت في هذه المديرية، استقالت بسبب ضغط العمل الحكومي، وعدم وجود مردود مناسب مقابله، لتبدأ أعمالا خاصة في الاستشارات والخدمات الضريبية.
من الحصافة أن يعاد النظر في مسار الإدارة لهذا الجهاز الحيوي. ومن المهم أن تلاحق كوادره المتهربين، إضافة إلى إرسال رسالة حكومية جديدة، عبر مجلس الوزراء، لمرتكبي جريمة التهرب، مفادها: "ما مضى قد مضى، ولكن المرحلة المقبلة ستدق باب أي متهرب لتحويله فورا إلى القضاء بوصفه مجرما"، وأن ينفذ هذا الأمر بطريقة حاسمة وحازمة.
نصوص قانونية عادلة، وأداء تنفيذي متواضع، يعني أننا سنبقى ندور في الحلقة ذاتها. والمأمول أن يكون الإصلاح الاقتصادي شموليا، لينهي عقودا من محاباة متنفذين وأثرياء.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي