تلتزم حماس الصمت، بينما يخطب "سماحة السيد" مصرّحاً عن اصطفافه المصيري إلى جانب النظام السوري المقاوم والممانع، مبشّراً بإصلاحاته السياسية الداخلية، وجدوى التفاهم معه من قبل الثائرين المعارضين، لولا أن يكون لديهم أجندة عميلة، تستهدف تقويض ممانعة النظام وصموده.
يخسر حزب الله كثيراً من شعبيته في العالم العربي، والتي اكتسبها بفضل إنجازاته الكبرى في التحرير وهزيمة إسرائيل. لكن ذلك لا يغير موقف "سماحته" على ما يبدو، مثبتاً بحق أن عينه لم تكن على الشعبية والجماهيرية يوماً، كما قال في إحدى مساءات ما بعد حرب تموز 2006، وأن ثمة في جوهر الأمر قضية أساسية لدى الحزب، رضي العرب أو غضبوا.
يخسر حزب الله معنوياً، لكن ما فائدة الأبعاد المعنوية التي توفرها الشعوب العربية، ما دام الحزب لم يستفد في معاركه من تعاطف تلك الشعوب وتصفيقها، فيما استفاد دائماً من الإسناد الذي وفرّه نظام الأسد، و"الممر الآمن" الذي أتاحه له في علاقته العضوية مع إيران؟
هكذا، تكون المعادلة التي يتبعها سماحة السيد صحيحة في الحسابات المادية، فهل هي كذلك في الحسابات الأخلاقية؟
حماس، من جهتها، التزم مكتبها السياسي الصمت، من مقره في دمشق، فلم يعلن تأييده للثورة السورية على غرار تأييده للثورات العربية السابقة، ولم يعلن اصطفافه المصيري إلى جانب نظام الأسد ضد "العصابات المسلحة" التي تعيث فساداً في سورية! مكتب حماس السياسي التزم الصمت، حتى لا يخسر النظام الذي احتضنه، ولا يغامر بشعبية حماس كحركة نضالية، وهو في ذلك محق –كما حزب الله- من ناحية الحسابات المادية، فهل هو كذلك –أيضاً- من ناحية الحسابات الأخلاقية؟
لا ريب أن ثمة مأزقاً أخلاقياً في موقفي الصمت المطبق حيال الثورة الشعبية ضد الاستبداد في سورية، والاصطفاف الصريح إلى جانب ذلك الاستبداد؛ ذلك أن حركات المقاومة العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي إنما تنشد في خطابها تحرير البلاد التي سلبها المحتل حريتها وحرية الناس فيها، فكيف نفهم أن تقاتل حركة مقاومة للحصول على الحرية من المحتل، فيما تتنازل عن الحرية عندما يتعلق الأمر بنظام حكم مستبد يدعمها أو يحتضنها؟ وهل من المعقول أن تكون قضية التحرير على تضاد مع قضية الحرية؟ بل هل يتجزأ مبدأ الحرية نفسه حتى يمكن المطالبة به أو التنازل عنه بحسب الظروف؟!
التحرر من المحتل هو مُفتتح الطريق إلى الحريات كلها، وحين تصطف حركة مقاومة تنشد التحرير، إلى جانب نظام مستبد يقمع الحريات، فذلك معناه أنها لا تفهم التحرير باعتباره سبيلاً إلى الحرية والانعتاق والكرامة، بل مجرد طريق للتخلص من وجود الأجنبي المحتل، من دون تفكير بعيد المدى بكرامة الإنسان وحقوقه، التي هي بالضرورة أول ما يهدرها وجود المحتل الأجنبي. حينذاك، كيف يمكننا الثقة بحركة مقاومة كتلك، بحيث نسلّمها مستقبلنا من دون أن نخاف على كرامتنا؟ لا ريب أنها حال نجاحها في طرد المحتل الأجنبي، ستقيم نظاماً مستبداً يقمع الحريات، فيكون بمثابة احتلال آخر ذي شعارات وطنية، كما تكرر مراراً في التاريخ العربي المعاصر على أيدي ثورات التحرر من الاستعمار الفرنسي والإنجليزي.
إذا كانت أنظمة الاستبداد ترعى حركات مقاومة لتستخدمها في حساباتها السياسية، أفلا يكون منطقياً أن أنظمة الحرية التي تنشأ بعد الثورات، ستحتضن تلك الحركات على أساس مبدئي يستهدف التحرير فعلاً، لا انتهازي همّه المقايضات السياسية؟ وحتى لو أن نظام ما بعد الثورة تخلى عن رعاية حركات المقاومة، أفلا يكفي تلك الحركات أن يكون الشعب قد انعتق من الظلم والطغيان، ونال الحرية التي هي الوجه الآخر، والسبيل الآخر، لمهمة التحرر من الاحتلال، والانعتاق من ظلمه وطغيانه؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة سامر خير أحمد جريدة الغد