لا إضافة نوعية على صعيد التخطيط الاقتصادي أو التفكير في الحلول لأزمات الاقتصاد المتراكمة، بعد مضي خمسة أيام من مناقشات النواب لبيان الثقة في حكومة د. عبدالله النسور. الغائب في الخطابة تحت قبة البرلمان هو مشروع الدولة الاقتصادي. فلا الحكومة قدمت رؤية واضحة، ولا النواب لديهم مشروع واضح. وقد ضاعت البوصلة بين تجاذب وانقسام  فرديين، وليسا مبنيين على أسس اقتصادية أو سياسية.
بعض النواب أسهب في تشخيص الحالة الاقتصادية، واستفاد من أخطاء الحكومات وهي كثيرة. كما لعب على وتر استمالة الشارع بخطاب شعبوي ناقد للحكومة. لكن الشارع الذي سبق النواب في توصيف أحوالنا المعيشية عبر حراكه واحتجاجه، يحتاج إلى أن يضع قدمه على سكة الإصلاح الاقتصادي، للبدء بالخطوة الأولى على طريق يشعر أنها ستقوده إلى مسار آمن ومطمئن، فيه مصلحة اقتصادية مباشرة بموجب خطة تلتزم بالجداول الزمنية، وبتحقيق الأهداف المرسومة سلفاً.
وللتذكير، فإن 59 % من الأردنيين في عينة استطلاع المعهد الجمهوري الذي نشر مؤخراً، يرون في نهاية آذار (مارس) الماضي، أن الأردن يسير بالاتجاه الخاطئ. والمقارنة ليست في صالح الحكومة الحالية؛ فالنسبة كانت 45 % في تموز (يوليو) الماضي. أما نتائج مركز الدراسات الاستراتيجية فجاءت صادمة أكثر؛ إذ اعتبر 52 % أن البلاد تسير في اتجاه خاطئ حالياً، بينما كانت النسبة لذات المركز 35 % نهاية العام الماضي. والسبب في هذه النظرة وتصاعدها بهذا النسق الذي يخفي وراءه الكثير، يقف عند الوضع الاقتصادي، والفقر والبطالة وغلاء الأسعار، وفشل الخطط والسياسات الرسمية، والتلكؤ في تطبيق الإصلاح، بما فيها الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها الشارع الأردني.
عودة إلى البرلمان؛ فإن من الغريب مطالبة نواب الحكومة باجتراح الحلول وحدها، وكأن الهم الاقتصادي شأن يعني الحكومة، ولا علاقة له بالنخب السياسية أو البرلمانات أو الأحزاب وباقي مؤسسات المجتمع المدني. وفي ظني، فإن أزمة الاقتصاد لن تنجلي إلا إذا خرج عن الدولة مشروع وتفكير منهجي، وبرنامج إصلاحي له بداية ونهاية، بغية تحقيق هدف واضح هو إنقاذ المواطن من براثن العبث والارتجال. وهو مشروع ذو أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية، يبني الدولة، ويؤسس للمرحلة المقبلة، ويجيب عن أسئلة المديونية ونقص السيولة في الخزينة، وتفاقم عجز الميزان التجاري، واللجوء المستمر لصندوق النقد الدولي. ومثلها أسئلة لم تتم الإجابة عنها بعد، تتعلق بمستوى التعليم في البلاد، ومنسوب النزاهة الوطنية التي نريد لأجيالنا المقبلة، بعد أن فشلت الأجيال السابقة، إلى حد كبير، في ترسيخ مفهوم النزاهة، وحل محله الفساد بكل نتائجه المؤلمة التي حصدنا خرابها في الأعوام الخمسة الأخيرة.
صحيح ان النخب لدينا ليست متكاتفة وتسيطر عليها الفردية، والكتل في البرلمان ليست مبنية على أساس سياسي، ولا يجمعها برنامج اقتصادي؛ لكن المرحلة المقبلة لا تقبل الفردية، ولن تكون البلاد في مأمن بموجب استمرار العمل بالطريقة ذاتها التي سارت عليها النخب والمؤسسات على امتداد العقدين الماضيين. وسياسة إشعال الحرائق وإطفائها أثبتت فشلها، وخلفت وراءها الكثير مما يصعب محوه من ذاكرتنا الوطنية حيال ثقة الفرد بالدولة، وحرمة المال العام، والعمل الصادق الواضح لما فيه منفعة الاقتصاد.
جَلد مجموعة "الديجتال" آناء الليل وأطراف النهار لن يغير في المشهد شيئاً. وعمليات التجريب المستمرة في الاقتصاد والجامعات والسياسة، تجعل المرء يقف للتأمل؛ فالتشخيص يقول إن الدولة أخفقت، فهل من برنامج للإنقاذ، أم أننا سنمحو هذا الإخفاق، لاسيما في شقه الاقتصادي، بحبر الخطابة والبلاغة؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي