آخر البيانات الرسمية بشأن متوسط أسعار المستهلك، أو معدل التضخم، للثلث الأول من العام الحالي، تشير إلى ارتفاعه بنسبة 7 % مقارنة بذات الفترة من العام الماضي. وتؤكد ذات البيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة أن هذا الارتفاع ناجم عن زيادات تصاعدية في أسعار سلع وخدمات، منها النقل والإنارة والإيجارات، إضافة إلى أسعار الخضار والفواكه واللحوم والدواجن.
كثيرة هي التقديرات التي توقع من خلالها محللون اقتصاديون بأن يبقى معدل التضخم للعام 3013 حول نسبة 6 %. وفي تقديري أن موجات الارتفاع في أسعار السلع والخدمات ليست مسبوقة هذا العام. فعلاوة على أسعار المشتقات النفطية وباقي المستوردات، يمكن القول إن آثار اللجوء السوري المتزايد إلى البلاد، والزيادات الجنونية في أسعار الشقق بنسبة 200 % أحيانا، لاسيما في بعض المناطق المكتظة، أنشأت واقعا متضخما يسهل كشفه. وهذا الواقع موجود في مدينة مثل المفرق، وفي مخيمات مثل مخيم الحسين، وبما يقود في نهاية الأمر إلى أن معدل التضخم سيتخطى حواجز أعلى من تلك التي نظر لها المحللون.
ثمة ما هو أبسط من حسابات معدل التضخم التي تخضع لسلة واسعة من السلع والخدمات، والسؤال هنا هو عن قدرة راتب 500 دينار على مواجهة كل هذا الغلاء المتصاعد في إيجارات الشقق وفواتير الكهرباء والماء وأسعار المأكل والمشرب والملبس. ويصبح الأمر معقدا للغاية إذا تواجد في موازاة ذلك طالب يدرس في الجامعة، أو كان رب الأسرة حاملا لعبء مالي آخر.  وإذا علمنا أن نسبة من يتقاضون رواتب تقل عن 500 دينار -وفقا لمسح العمالة والبطالة 2012- تبلغ 89.4 % من المشتغلين، فيكون أن تسعة من أصل كل عشرة أردنيين يواجهون صعوبات حادة في التعايش مع واقع الأسعار المتضخم. فراتب خمسمائة دينار ليس مقنعا. والحديث عن أرقام صماء في سياق تحليل منحنى التضخم، لا يُقنع من يعلم أن هذا المبلغ لا يفعل لمتقاضيه شيئا، ولا يغير من واقع المعاناة لديه؛ بل إن كثيرا من أرباب الأسر الذين تقل رواتبهم الشهرية عن 350 دينارا يعلنون إفلاسهم في اليوم الثالث من مطلع كل شهر، لتبدأ بعد ذلك سيناريوهات الاستدانة والبحث عن بدائل لسد الحاجة.
هذه الأزمة المتراكمة والمتدحرجة في المداخيل وتآكلها، تبرر حالة عدم الرضى المتزايدة لدى الأردنيين حيال الحكومات وأدائها الاقتصادي. ولم يعد مقنعا، لا بالحسابات الرقمية ولا استنادا إلى الواقع المعاش، مقارنة التضخم المستمر بأجور ورواتب لا تتزحزح ولا تقوى على تأمين الحد من قدرات مواجهة الغلاء. وإذا أضفنا إلى معاناة المشتغلين معاناة العاطلين عن العمل، فسيقودنا التحليل إلى أن طاقات الأردنيين، عاملين وغير عاملين، شبه مهدورة. فمن يتقاضى راتبا لا يؤمن له الحد الأدنى من العيش الكريم، لن يكون على صلة وثيقة بعمله إنجازا وسلوكا؛ فيما الباحث عن عمل يفقد العلاقة بكل محيطه عندما تمر سنوات بدون أن يقدم شيئا أو يأخذ مقابلا.
باختصار، التضخم أمسى تهديدا حقيقيا، ولا وجود لأسلحة في مواجهته، فيما يخبئ النصف الثاني من هذا العام مفاجآت غير سارة على صعيد معادلة الرواتب الهزيلة مقابل غلاء المعيشة، خصوصا إذا رفعت الحكومة أسعار الكهرباء. وليضع كل واحد منا نفسه مكان رب أسرة يتقاضى 500 دينار، ولديه ثلاثة أطفال؛ إذ سيجد أن المواجهة ظالمة، وتنطوي على تعقيدات نفسية وذهنية بالغة.
المقلق أكثر أن النخبة السياسية والاقتصادية مشغولة بترف السجالات والمؤامرات، ولا بواكي للمستهلكين وأصحاب الدخول الهزيلة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي