بعد أكثر من أسبوعين على قرار توقف صحيفة "العرب اليوم" عن الصدور، ما الذي حدث؟ بيانات لا تقنع طفلا بشأن أسباب الأزمة المالية التي خنقت الصحيفة، وتشريد مائتي عائلة أردنية من أبناء العاملين في الصحيفة التي مضى على تأسيسها 17 عاما، وانضمام مجموعات جديدة من الغاضبين إلى شارع صاخب باحتجاجات تخبو أحيانا، لكنها سرعان ما تظهر للعلن بعد ذلك.
تحريك دعوى بحق مالك الصحيفة من طرف نقابة الصحفيين، وغير ذلك من الخطوات الداعمة لحقوق العاملين، يسهم في خلق رأي عام، لكنه لا يغير في مسار الواقع المتردي. ومثله قرار الغاء إفطار النقابة السنوي تضامنا مع العاملين في الصحيفة الذين لم يتقاضوا رواتب منذ أربعة أشهر.
الحقيقة المُرّة هي أن حقوق العاملين ضاعت، ووزارة العمل لا تملك الكثير لتفعله. كما أنه ليس بمقدور النقابة إحداث فرق في تطورات الحدث الخطير بكل تداعياته المالية والاقتصادية السيئة.
والسؤال اليوم: من هي الصحيفة التالية بعد "العرب اليوم"؟ فالنكبات المالية تلاحق معظم الصحف اليومية الأردنية، وثمة إعلام جديد بنسخته الإلكترونية المتطورة، ولا أحسب أن بضعة صحف يومية، بكلف إنتاجية عالية ومصروفات متزايدة، قد تصمد طويلا أمام هذا التطور المتصل بالتكنولوجيا ومهنة الإعلام عموما.
لكن التحدي الاقتصادي لا يقف عند هذا المشهد بثنائيته الحالية، بل يتعداه إلى شكوك في قدرة الإعلام الإلكتروني على الصمود في مواجهة عوائق رسمية تسعى إلى تقليم أظافر هذا الإعلام، من خلال قانون عرفي لا تعترف به المواقع الإلكترونية، ولا ترضى بالرضوخ لهيمنته. وحقيقة الواقع تشير إلى تنامي حجب الإعلانات عن كثير من تلك المواقع، لاسيما الرافضة بشكل فاعل للقانون، إضافة إلى تسريح أعداد لا يستهان بها من العاملين في الصحافة الإلكترونية التي شهدت نموا مطردا في السنوات العشر الأخيرة، وسجلت حضورا لافتا على صعيد ملفات اقتصادية كبرى في البلاد، مثل مكافحة الفساد، لكنها عادت إلى الانكفاء اليوم بفعل سلطة غير راضية عما ينشر فيها، وقطاع خاص مطيع لرغبات السلطة.
ربما نستقبل العام المقبل بشطب صحيفة أخرى من قائمة صحفنا اليومية. والأكثر خطورة ينتظر الصحافة الإلكترونية التي تهدد الحالة الراهنة مئات العاملين فيها، عقب تصلب حكومي في فرض قانون المطبوعات والنشر، بصرف النظر عن خسارات العاملين في هذا الحقل الذي يواجه تقلبات حادة بعد احتجاجات "الربيع العربي".
وبوجود أقل من ألف صحفي من منتسبي النقابة، وأضعافهم من المتدربين وغير الممارسين، فإن الآلاف ممن يعملون في قطاع الإعلام هم عمليا في مهب الريح لأسباب يعرفها الجميع؛ لا تبدأ بضرائب الحكومة وارتفاع كلفة الطباعة والإنتاج، ولا تنتهي عند مناقلة الملكيات في أجواء ملبدة بعدم الثقة. ومن يدفع الثمن في النهاية هم العاملون في القطاع، وعائلاتهم وأطفالهم. ولا يوجد في القوانين ما ينصف هؤلاء أو يرد لهم الاعتبار بعد أن استبيحت مهنتهم ماليا وسياسيا.
التداعيات الاقتصادية لأزمة "العرب اليوم" خطيرة في جانبيها الحقوقي والإنساني. وهي كرة متدحرجة ستطال آخرين في وقت قريب. وحجم التهديد يكبر يوما بعد يوم؛ إذ ثمة من يأمل في أن يستفيق على واقع لا صحافة فيه ولا ما يحزنون!
أشعر بأسى عميق على مآلات مشروع إعلامي كبير شاركتُ فيه وشهدت لحظات ولادته وانطلاقته، وأرقبه اليوم وهو يحتضر بهذه الطريقة المهينة!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي