الأمر الأساسي الذي يتبادر إلى ذهن خبراء ومتابعي العلاقات الدولية عندما يتم طرح مسألة العقوبات أو الحصار الاقتصادي، هو أن هذه العقوبات أو الأداة من أدوات السياسة الخارجية لن تكون فعالة، والأرجح أنها لن تحقق مبتغاها، وأن المتضرر منها غالبا سيكون عامة الشعب وليس النظام المستهدف بها. هذا ما تقوله جل التجارب والأزمات الدولية التي تم اعتماد أداة العقوبات الاقتصادية للتعامل معها. وقد عانى بالفعل كثير من الشعوب بسبب عدم فعالية العقوبات الاقتصادية وعجزها عن معاقبة المطلوب عقابهم. كانت هناك محاولات لتطوير هذه الأداة، فتم تقسيم العقوبات الاقتصادية إلى أنواع وفئات ومراحل. وحاولت بعض الدول جعل العقوبات الاقتصادية "ذكية"، بأن تتجنب سلبيات العقوبات الاقتصادية، لكن الحقيقة تبقى أن هذه العقوبات ليست أداة فعالة، وهي غالبا تخطئ هدفها.
يُستحضر هذا النقاش عند محاولة فهم وتقييم قرار فرض العقوبات الاقتصادية على سورية من قبل جامعة الدول العربية. والتحليلات الأولية تشير إلى أن نظام العقوبات المفروض لن يكون في العموم فعّالا، رغم أنه قد يلحق شيئا من الأذية بالنظام السوري، وربما يقلل من قدرته على الاستمرار والقتل. لكن كيف؟ وما هو المدى المطلوب من العقوبات كي تحقق ذلك؟ هذا ما يستحيل الإجابة عنه ضمن اللحظة الزمنية الراهنة. 
الجامعة العربية على الأرجح مدركة لتداعيات فرض العقوبات الاقتصادية على سورية، ولا شك تعي ضعف هذا الأسلوب من أساليب التعامل مع الأزمات. فالجامعة تعلم أن المتضرر الأول من العقوبات سيكون الشعب السوري، وبدرجة ثانية، وأقل بكثير، سيكون هناك تأثير على النظام. والسؤال المشروع تباعا يصبح: لماذا، إذن، تريد الجامعة العربية هذه العقوبات، وما هي مسوغاتها السياسية؟
الإجابة بحسب عديد من التحليلات وردود الفعل تأخذ منحيين: الأول، أن هذه العقوبات خطوة على طريق مزيد من التصعيد، ومرحلة من مراحله ليس إلا. والثاني، أن تضرر الشعب السوري من العقوبات، خاصة طبقة التجار والأغنياء، سيكون ذا أثر حاسم لكي تبادر هذه الفئات المهمة من المجتمع السوري لتبدل موقفها، وتنقلب على النظام السوري وتفقده، بالتالي، مزيدا من القدرة على الاستمرار. إذن، فثمة إدراك فيما يبدو لحدود تأثير العقوبات الاقتصادية على الأوضاع في سورية، ولكن مع ذلك تبقى هذه العقوبات من وجهة نظر من قررها قرارا مقبولا في ضوء تداعيات المشهد السوري، وإمعان النظام في الحل الأمني واستمرار حصوله على درجة من التأييد بين بعض الفئات المتنفذة من المجتمع السوري خاصة طبقة التجار، وهذا منطق ستتضح جدواه في الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
الحصار الاقتصادي في المحصلة النهائية يبقى أداة غير مستدامة، والأسلم افتراض ذلك. وهو لذلك لن يحقق مبتغاه إذا لم يطبق بجدية وفاعلية، وإذا لم يتبع بخطوات أكثر قدرة على عزل النظام السوري وإضعافه، وبالتالي إضعاف قدرته على قتل المدنيين. فإن لم يتم ذلك، فلن يمضي وقت طويل حتى نبدأ بسماع أصوات تتحدث عن لاإنسانية العقوبات الاقتصادية، وعندها لن يستطيع أحد المحاججة بعكس ذلك.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. محمد حسين   جريدة الغد