لا يمكن قراءة تصريحات جلالة الملك حول الأوضاع في سورية إلا ضمن إطار مصلحة الأردن في سورية "راغبة وقادرة" على إبقاء مشاكلها داخل حدودها، وأن هذا لن يحدث إلا إذا أدركت القيادة السورية أهمية اجتراح برنامج إصلاح سياسي جوهري وذي مصداقية لا يبدو أن تركيبة وشخوص النظام السياسي السوري مهيأة له.
التصريحات تأتي من باب النصيحة، وتدلل على قراءة أردنية بأن الشأن السوري دخل مرحلة اللاعودة، وأن النهاية قد تكون مريرة إذا لم يخرج النظام السياسي السوري من قالبه الذي حصر نفسه فيه، والذي اتخذ من الحلول الأمنية أسلوبا أوحد في التعامل مع مطالب الإصلاح المشروعة. جلالة الملك لم يطلب من الرئيس السوري "التنحي" كما نشر في عدد من وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية. ولم تعتد القيادة الأردنية، بدبلوماسيتها وكياستها المعهودة، عمل ذلك. ولكن الملك قال إنه "لو كان في مكان الرئيس السوري لتنحى"، ما يعني أن هذا كان سيكون خياره، ولكن ربما ليس خيار الرئيس السوري. الأردن ما يزال في قناعتي يموضع موقفه ضمن حدود الجار الصدوق والناصح، وهو يمتلك من المصداقية السياسية والإصلاحية ما يجعله مؤهلا لإزجاء هكذا نصيحة.
الموقف الأردني من سورية يأتي متأثرا أيضا بالأجواء الإقليمية، وبرياح الربيع العربي التي تقف معاندة بقوة للسلوك السياسي والأمني السوري. ولهذا، فمن مصلحة الأردن أن يحاكي رياح الإصلاح الوطنية والإقليمية تماما كما هو يحاول أن يبقى على الحياد فيما يختص بالشأن الوطني السوري. ومن حق الأردن أيضا أن يهيئ للمستقبل، وأن يتخذ مواقف ستجعله على علاقات جيدة مع أي نخبة سياسية حاكمة في سورية، سواء بقي النظام الحالي أم آلت الأمور إلى غيره.
للمشهد الوطني الأردني تأثير أيضا في موقف الأردن من سورية. فالإصلاح السياسي لدينا اكتسب درجة من المصداقية بعد جهد سياسي مكثف وبصيرة وطنية اتسمت بدرجة من الإيثار والتنازل من قبل الدولة، تمثلت في الاستجابة لكثير من مطالب المعارضة السياسية، وهو ما يتوقع أن يستمر بالحدوث إلى أن تشعر غالبية الأردنيين وقواهم السياسية أن الإصلاح قد تحقق. ولهذا السبب، بالإضافة إلى سواه، فلا يمكن للأردن أن يجعل موقفه من الأحداث في سورية ينتقص من مصداقية مشروعه الإصلاحي، ويؤلب القوى الإصلاحية الأردنية ضده، ولذا فهو يجد نفسه ملزما بالابتعاد عن مجرى الأحداث السياسية السورية والسياسات الرسمية هناك التي تبدو مصرة على الحل الأمني، مستفزة بذلك كافة قوى الإصلاح الإقليمية ضدها بما في ذلك القوى الإصلاحية الأردنية.
الأردن لن يكون إلا في المقعد الثاني في أي جهد إقليمي أو دولي للتعامل مع سورية، فمصلحته تقتضي حتمية ذلك. لكن تعاظم الضغوط الدولية والإقليمية ضد سورية الرسمية، وتزايد غضب القوى السياسية الإصلاحية منها، تجعل الأردن مدفوعا للنأي بنفسه عن استراتيجية الحل الأمني التي اختارها صناع القرار في سورية.
هكذا بتقديري يجب أن يتم فهم الموقف السياسي الأردني وتصريحات جلالة الملك، لا أن نحمّلها ما لا تحتمل، ونقوّلها ما لم تقل.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد