ترشيد السلوك العام في أوقات الأزمات هو أمر أساسي في ضبط إيقاع المجتمع، ويخدم الاقتصاد بعيدا عن الإشاعات والتكهنات، أو حتى المبالغة في التطمينات. غير أن الصورة المحلية في شقها الاقتصادي من حولنا ملتبسة، ومثلها التداعيات المتعلقة بالضربة العسكرية المحتملة ضد النظام السوري.
في مدينتي المفرق والرمثا الحدوديتين، لم تغير كثيراً التطمينات الرسمية المتكررة في المزاج العام لسكان هذه المناطق. وتصبح المخاوف مشروعة في منطقة الرحمات التي تضم آلافا من المواطنين الأردنيين، وتبعد عن الحدود الأردنية-السورية مئة متر فقط، في حال حدثت -لا قدر الله- أعمال انتقامية من طرف النظام السوري. ومثلها مناطق قريبة لأهالي سما السرحان، أو منشية الكعيبر، وسواهما، مما يهمس سكانها بالكثير، ولا يجدون إجراءات ذات صلة بالسلامة العامة لمواجهة أي تداعيات محتملة للضربة.
تناقل المعلومات، وحالة الذعر والقلق التي تتصاعد، كانا سببا في خسارة الأسهم ما قيمته 400 مليون دينار في جلسة الأربعاء الماضي؛ فيما تتجاوز خسائر الأسهم حاجز 1.6 مليار دينار منذ بداية العام. ولن أتوقف طويلا أمام هذه الخسارة، أو حتى تخزين المواد الغذائية في بعض المناطق، أو أي من السلوكيات المرتبكة في هذه اللحظة الحساسة. لكن يبرز الآن تساؤل بشأن تجاهل المؤسسات التي تمنح تراخيص الأبنية إنشاء ملاجئ عامة، فيما نحن نواصل التكيف مع محيط يزداد سخونة وارتباكا في معظم دوله!
الحديث هو عن الملاجئ، وليس توزيع أقنعة الغاز أو سواها من وسائل الحماية للمواطنين. ومنذ العام 1993، يوجد في المعايير الفنية والهندسية لمجلس البناء الوطني "كود" يتعلق بإقامة الملاجئ العامة، أو حتى تلك الضرورية لبعض الأبنية. لكن هذا "الكود" الذي يتحدث عن شروط بناء الملاجئ ومراعاتها لأي مخاطر من أسلحة تقليدية أو كيماوية أو بيولوجية أو حتى نووية، لم يطبق. ولم تناقش بلدياتنا الحاجة الماسة إلى تطبيق "كود" الملاجئ، وسط استرخاء عام، وتقصير مفزع، في محيط يشهد تطورات ساخنة يوما إثر آخر.
قد يكون توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل بعد عام من إقرار هذا "الكود" سببا لتجاهل المسؤولين في الإدارات العامة الحاجة إلى الملاجئ. لكن المسألة ليست بهذه السهولة. والواقع الاقتصادي، ورُخص الإنشاءات، لاسيما المتعلقة بالسلامة العامة، تشير حتى في أكثر الدول أمنا إلى تشدد من قبل الجهات المسؤولة بغية تحقيق أعلى مستويات الحماية للأفراد في كل الظروف.
يتساءل المواطن الأردني، ومثله باقي العرب في بلدانهم، عن أوجه الحماية المتوفرة لهم؛ خاصة عندما يشاهدون الإجراءات الاحترازية التي تتخذها إسرائيل كلما شهدت المنطقة تسخينا على جبهة ما. فالأقنعة والواقيات والملاجئ وصفارات الإنذار، كما تحذيرات الحكومة عبر الإعلام، ووضوح المعلومات ودقتها، ومصارحة الرأي العام بما يجري وبما يمكن أن تكون عليه الأمور.. كلها مجتمعة تمثل ثقافة لم تتولد بعد في دولنا التي يواصل مسؤولوها إرسال التطمينات فحسب، للتقليل من شأن ما يجري، وليترك للمواطن الهمس والحديث غير العلمي والارتباك.
في الظروف الاستثنائية ومخاوفها المشروعة، يجب أن يكون للحكومة دور حقيقي من خلال خطط اقتصادية عاجلة، ومثلها على صعيد السلامة العامة. فالمسألة تتعلق بالإنسان الذي من المفترض أن تكون سلامته هدفا لأي جهد رسمي أو غير رسمي.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي