نظرة سريعة إلى وجه أحدهم وهو يتسوق، برفقة أبنائه، قبيل عيد الأضحى، تكشف حجم الهموم التي تسللت إلى رب الأسرة الأردني، نتيجة لضغوط متراكمة، جلها يحمل عناوين مالية واقتصادية.
يكشف تقرير أممي أعده "معهد الأرض" بجامعة كولومبيا الأميركية، بطلب من الأمم المتحدة، عن موقع مقلق للأردن في تقرير "السعادة العالمي"، بما يدعونا جميعا -حكومة ومؤسسات مجتمع مدني وأفرادا- إلى ضرورة إعادة هندسة الأولويات والنمو الاقتصادي بما يساعد الأردنيين على الانتقال من حالة التعاسة إلى السعادة، ولو بأدنى درجاتها مقارنة بباقي دول العالم. 
فعلى مقياس "صفر - 10" للسعادة، حصل الأردن على معدل 5.4 درجة، محتلاً المرتبة الرابعة والسبعين بين 150 دولة. وكان من  ضمن أكثر 13 دولة تعاسة، من أصل 130 دولة تمت دراسة مؤشراتها وواقعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي على امتداد ثماني سنوات (2005-2012).
ورغم أن العامل الاقتصادي كان حاضرا بقوة في قياسات معدل السعادة ضمن التقرير، إلا أن العوامل الاجتماعية والسياسية شكلت أسبابا مهمة أيضا في هذا السياق. فحصة الفرد من الناتج القومي لكل دولة، حصدت 29 % من تأثير السعادة أو التعاسة. كما استحوذ الأمن الاجتماعي على نسبة 29 % أيضا. وجاءت عوامل الحرية السياسية، والفساد، ومشاكل الرعاية الصحية، بدرجات أقل ضمن المعدل الذي رصده التقرير.
ولم يكن مفاجئا أن تكون الدول الاسكندنافية (الدنمارك، والنرويج، والسويد) على رأس البلدان الأكثر سعادة على مستوى العالم، وهي التي يتوفر فيها أعلى منسوب حرية في كل شيء، إضافة إلى الدخل، وأسس العيش الكريم في ظل عدالة اجتماعية واقتصادية، تتيح للمرء أن يكون ما يريد، من دون واسطة أو محسوبية أو تدخل من أي جهة كانت. وأذكر أنني عملت في مهمة صحفية لمدة ثلاثة أسابيع في الدنمارك، وكان يلاحقني على مدار الساعة وبعد أي عمل أقوم به، سؤال: هل أنت سعيد؟
لا يعيد تقرير السعادة (أو التعاسة) اكتشاف العجلة، ولكنه يؤكد مجددا على أن حياة الأفراد خليط من عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية، بأوجه عديدة، لا يمكن غض النظر عن أحدها أو بعضها، وهي التي تتلاطم في عالمنا الثالث خدمة لفئة مستفيدة، في حين يذوي الفرد على هامش الخسارة، ويدفع ثمن رداءة وفساد الخطط الاقتصادية، إن وجدت! كما يعاني من دون أن يشعر أحد بمعاناته، فتتسلل إليه الأمراض، ومنها النفسية، ويرافقه أيضا التجهم والخوف مع كل إطلالة شمس!
طريق السعادة واضحة لا تخطئها العين؛ ليس فيها فاسدون ينهبون ثروات البلدان، ولا الجرائم السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها الجميع في منطقتنا الثكلى. هي طريق تزهو على جنباتها دولة القانون، فيها مؤسسات أكاديمية حرة، تعلم الأجيال مضامين نوعية. وقبل ذلك سلطات مستقلة الشعب مصدرها، ويراقبها إعلام غير مرعوب. وهي طريق تهدف في النهاية إلى الوصول بالفرد إلى الرضى والعيش الكريم والحرية.
كنا نحلم وما نزال، أن يضعنا "الربيع العربي" على طريق السعادة، فأين نحن اليوم من هذه الطريق؟

 حسن احمد الشوبكي


المراجع

ammanxchange.com

التصانيف

صحافة  حسن احمد الشوبكي   العلوم الاجتماعية   الآداب