لا يمتلك أي موضوعي إلا أن يعترف بتاريخية واستثنائية التعديلات الدستورية التي أقرت بشكلها النهائي ودخلت حيّز التنفيذ العملي. قد تكون هذه التعديلات لم تلبّ طموحات كافة القوى السياسية والمجتمعية، ولكن من الذي يستطيع أن يدّعي أن المجتمعات يمكن لها أن تنتج دساتير تلبي طموح كافة أطياف المجتمع وقواه السياسية. سيذكر التاريخ العام 2011 على أنه عام الدستور، وسندرسه كمحطة سياسية مهمة تماما كما ندرس دستور 1952 ومراحل تطور النظام الأساسي للمملكة منذ 1928.
"عملية" إقرار الدستور لا تقل أهمية عن فحواه المتقدم، فقد أثبتت قدرة المجتمع ومؤسساته السياسية على التعامل مع هذا الشأن المصيري بكفاية وسرعة تأتت بسبب التصميم الملكي على إنجاز هذا الاستحقاق بدون تأخير أو تحوير. عين الدولة المراقبة للشأن العام دفعت باتجاه تجانس وتناغم دور المؤسسات في مسعاها لإقرار الدستور، ما جعلنا أمام منجز وطني سيذكره التاريخ بصفحاته البيضاء. المراقبون يعولون على الرعاية الملكية للمشروع الاصلاحي، فهي التي تستمر بالتدخل في اللحظات الحرجة للتأكد من استمرار تقدم نهج الإصلاح بإيجابية وعقلانية وثبات.
حجم ونوع التعديلات الدستورية التي أقرت أقنعت الغالبية العظمى من القوى السياسية انها تعديلات كافية ومهمة في هذه المرحلة من مراحل تطور البلد السياسي، وبنفس الذهنية علينا أن نتعامل مع القوانين الأخرى الناظمة لعملنا السياسي والتي يعكَف الآن على صياغتها: في أن تكون قادرة أن تقنع غالبية المجتمع، وليس بالضرورة كله، أنها كافية ومناسبة وستوصل الاردن لدرجة من التقدم الاصلاحي والديمقراطي. إصلاح يؤمل منه أن يزيد من كفاية الدولة وجودة حكوماتها وبرلماناتها ويردم فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع ويقلل الفساد، ويتضح من خلاله للناس كيف تتخذ القرارات وتوزع المكتسبات.
تفاعل المجتمع الاردني الاصلاحي والاشتباك السياسي الايجابي ما بينه وبين الدولة أمر يدعو للفخر، ويؤكد على ميزة الاردن السياسية التاريخية في ميوله ما امكن "للتوافقية" في إدارة شؤونه العامة، فالدولة تقرأ نبض المجتمع وتستجيب له ما امكن، وغالبية المجتمع والنخب من العقلانية والنضج بحيث تقبل المنجزات وتقدرها. هذا ما يلخص تجربتنا في إقرار التعديلات الدستورية والتي يجب أن تشكل مثالا ونبراسا يحتذى.
الدستور الجديد هو أساس سياسي متين للمرحلة المقبلة التي ما تزال محطات مهمة منها أمامنا، وأجزم وبحكم التخصص الأكاديمي الدقيق أننا إذا ما تابعنا خطى مسيرتنا الاصلاحية بنفس الرؤية والاقدامية، وأنتجنا قوانين انتخاب وأحزاب وهيئة مستقلة للانتخابات ومحكمة دستورية بنفس الجودة التي انتهى إليها الدستور، وأدرنا انتخابات حرة ونزيهة، فسنجد أن الاردن سيصبح دولة ديمقراطية أو على أعتاب الديمقراطية كما تصنفها المقاييس العالمية الاكاديمية المعتمدة لقياس الديمقراطية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد