دخلت العلاقة الاقتصادية بين الأردن وإسرائيل حقول ألغام كثيرة؛ وظلت تنمو حينا وتخبو في أحيان أخرى. وكانت الأعوام التسعة عشر الماضية بمثابة نماذج للتجريب والخديعة في العلاقة التي اتسمت بالضبابية، ولم تصنع سلاما اقتصاديا على المستوى الشعبي أو ضمن بيئة الأعمال، كما طمح إلى ذلك مسؤولون إسرائيليون. فمن المناطق الصناعية المؤهلة، إلى تبادل المنتجات الزراعية، وصولا إلى محاولات استخدام الأردن ممراً لعبور السلع والبضائع الإسرائيلية، بكلف شحن رخيصة، إلى أسواق جديدة في المنطقة، ينظر إليها  الاقتصاد الإسرائيلي بجدية، مع خطط لإغراقها بمنتجاته.
بالنسبة للأردن، كان التطبيع الزراعي في مستوياته الأولى -ولا أقول المتقدمة- هو الملمح الأبرز في العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل. لكن إذا علمنا أن مجمل ما يستورده الأردن من خضار وفواكه إسرائيلية، بعد نحو عقدين من توقيع اتفاقية وادي عربة، لا يتخطى 1.2 % من إجمالي ما يصل السوق المحلية، يكون القلق حاضرا، إنما في حدوده الدنيا. أضف إلى ذلك أن محاولات الاختراق بخصوص ملف البذور الزراعية، لم تؤت أكلها من جانب إسرائيل، ما دفعها في السنوات الأربع الأخيرة إلى محاولة إدخال هذه البذور إلى الأردن ودول عربية أخرى عبر منشأ غير إسرائيلي، من خلال شركات تتبع لإسرائيل في هولندا والدنمارك ودول أوروبية أخرى.
علاقة تشبه السير في حقل الغام هو الوصف الأكثر دقة، استنادا إلى التنافس والعدائية اللتين تظهران من الجانب الإسرائيلي الذي يريد الاقتصاد الاردني تابعا له، ويسعى لجعل السوق الأردنية ممرا لمشاريعه التصديرية، وبوابة لتحقيق اختراق في أسواق عربية. وضمن السلوك العدائي يمكن رصد تأخير منتجاتنا من الخضار والفواكه على المعابر الإسرائيلية، وفي ميناء حيفا. وسبب غلق الطرق في وجه هذه الصادرات الأردنية إلى أوروبا الشرقية، يكمن في مساعي إسرائيل إدامة "عقدة التفوق"، واختراق تلك الأسواق على نحو منفرد. 
ولا يغيب عن كثيرين أن خسائر القطاع الزراعي في دورته الشتوية العام الماضي، كانت كبيرة، بسبب أن المزروعات التي تُنتج شتاء في وادي الأردن لم تجد طريقا للتصدير إلى دول أوروبا الشرقية بالشكل المناسب. بل إن كثيرا من المزروعات أتلفت في شاحنات التبريد بعد إعاقة حركتها قبل وصولها عبر ميناءي حيفا وأسدود، وهي طريق النقل التي لجأت إليها الصادرات الأردنية بعد تعطل الطريق البري؛ إذ كان التصدير يتم سابقا عبر سورية إلى تركيا، ثم إلى أوروبا الشرقية وروسيا.  
الدروس المستفادة من هذه العلاقة بشقها الزراعي، تتمثل في إيجاد بدائل في مواجهة ما يمكن تسميته اختراقا إسرائيليا عبر التصدير الزراعي إلى الأردن من خلال وسطاء من فلسطينيي 1948. ووفقا لبعض هؤلاء الوسطاء، فقد تسللت المانجا والأفوكادو والجزر والبطاطا الحلوة، ومحاصيل غير أساسية في سلة الغذاء. والأكثر خطورة استيرادنا منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. في حين قام ذات الوسطاء بتصدير الزيتون الأردني إلى اسرائيل على امتداد السنوات الماضية، لتقوم هذه الأخيرة بعصره وتصديره إلى أوروبا، حيث يباع بأسعار مرتفعة بوصفه زيت الأرض المقدسة.
سياسات الإغراق والاختراق تجيدها إسرائيل. والمطلوب على مستوى مؤسساتي وفردي أن يكون الاقتصاد الأردني بعيدا عن أي شبهة تبعية للاقتصاد الإسرائيلي، وأن يواصل المستهلك الأردني مقاطعته للبضائع الإسرائيلية.
بعد تسعة عشر عاما، لم تقدم الخبرات الإسرائيلية المستندة إلى تفوق علمي وتكنولوجي، شيئا للأردن، وظلت المراوغة والاختراق والإغراق هي الملامح الأبرز في السلوك الاقتصادي الإسرائيلي، كما بقي التطبيع في حدوده الضيقة والمكشوفة.

المراجع

جريدةا لغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي