لا يمكن أن يمر الأردنيون سريعا على ما قاله وزير الأوقاف السابق د. محمد نوح القضاة، من دون تدقيق ومراجعة. فالكلمات التي أطلقها الوزير الداعية في منطقة المزار الشمالي، تعيد طرح أسئلة كثيرة عن الحلال والحرام في حياتنا وعملنا، كما تكشف حجم الشرخ والفساد اللذين طاولا مستويات عديدة في الإدارة الأردنية بعد تجارب السنوات الأخيرة.
وقد تطرق الدكتور القضاة، في المحاضرة التي نُشرت قبل أيام، إلى مضمون مفهوم الحلال والحرام. وبالمعنى الاقتصادي، فإن الموظف والمدير والبائع والمشتري، والرجل والسيدة، وكل الأفراد ومستويات الإدارة المختلفة، يجب أن يكونوا على صلة بمضمون هذا المفهوم. وفي تقديري أن سؤال الحلال والحرام يجب أن يُطرح في اليوم مرات ومرات، مع كل سلوك نقوم به؛ بغية الوصول إلى نمطية في الأداء تؤسس لثقافة جديدة في العمل، لا تقوم على استسهال الوقوع في الجرائم الاقتصادية، بما في ذلك الاعتداء على أموال وحقوق الخزينة، ونهب المال العام، وتجميل صورة النهب بالقول إن المسؤول أو الوزير مغطى بالتعليمات والقوانين، وما إلى ذلك من تبريرات تسوقها الإدارات المتوسطة لكبار المديرين.
إذا سأل الموظف نفسه بشأن الرشوة التي سيتلقاها، وعلم بشكل دقيق أنها محض مال حرام، فإن الفرز هنا قد يساعده على عدم الوقوع في فعل تم تجريمه قانونيا. وإذا قام أحدهم بتسليع نفسه وبيع موقفه وعمله، سواء كان المقابل سعر شقة أو سيارة أو زجاجة عطر، فإنه لا يوجد أكثر من سؤال الحلال والحرام حصنا له من الوقوع فيما لا تحمد عقباه على الاقتصاد وعلى الشخص نفسه الذي باع نفسه، وأصبح فاسدا بسبب فعلته هذه.
وحتى لا يقول قائل إن مكافحة الفساد تكون بتطبيق القانون فحسب؛ بحيث يساق الجميع إلى مسطرة قانونية واحدة، ولا داعي لأن يكون الدين لاعبا أكثر مما ينبغي في ملفات الإدارة والاقتصاد، فإن مجتمعا كالمجتمع الاردني يتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بما يأمر به الدين، وما يزال يحسب ألف حساب للأوامر والنواهي الشرعية. فلا بأس في أن يكون الدين هنا لاعبا، ما دامت النتيجة هي السعى إلى تهذيب سلوك الأفراد والموظفين، ومنع الاعتداء على أموال الخزينة وحقوقها.
عندما يتم الحديث عن الفساد في الأردن، تتحول الأنظار سريعا إلى من يقعون ضمن قائمة "الحيتان"، وتتكاثر الانتقادات لهم بخصوص خسائر مليونية أثرت سلبا في الواقع الاقتصادي، وتسببت بنكد العيش لكثيرين. في المقابل، يغدو الحديث خجولاً عن سلوكيات المديرين، صغارهم وكبارهم، وكذلك الموظفين وباقي تلاوين المجتمع.
تعرضت الإدارة الأردنية لتشوهات كبيرة في السنوات العشر الأخيرة، وتسللت إليها أمراض وجرائم اقتصادية ووظيفية، جعلت سؤال الحلال والحرام -أو المسموح والممنوع قانونا- غريبا؛ حتى فقدت الدولة واقتصادها كثيرا من قيم مضت، وافتقدت رجالات ورموزا وطنية رحلت عن دنيانا من دون أن تترك حسابات مليونية خلفها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي