وسط كل هذا الصخب، وربما التراجع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة العربية، وضمنها الأردن، يشعر المرء بالفخر وهو يرى إنجازات طبية باهرة تنمو من حولنا. ويشكل تقدم الأردن في مجال تطوير الأنسجة وعلاج الأمراض المزمنة والوراثية والسرطانية بالخلايا الجذعية، واحدا من أهم ملامح تعزيز القدرة التنافسية لبلادنا في المجالات الطبية والعلمية، لكنها تحتاج دعما حقيقيا لتبقى في المقدمة، مقارنة بتجارب دول جنوب شرق آسيا، وأخرى لدول غربية.
فللمرة الأولى في العالم العربي، يؤسس لتشريعات تنظم استخدام الخلايا الجذعية في معالجة الأمراض المزمنة والمستعصية، بعد إقرار دائرة الإفتاء جواز هذا الاستخدام. وقد سُجل هذا السبق للأردن الذي ينتقل اليوم من مرحلة الأبحاث في هذا المجال الحيوي، إلى مرحلة المعالجة السريرية للمرضى، في حين ما تزال دول صناعية كثيرة في مرحلة التجارب على بعض الحيوانات، كالفئران والأرانب والخنازير؛ فقط كوريا وسنغافورة تسبقاننا في هذا المجال. ونحن في موقع الصدارة عربيا، إذ استطاع علماء أردنيون تطوير أنسجة وخلايا مناعية لمعالجة أمراض السرطان.
يقول مدير مركز العلاج بالخلايا في كلية الطب بالجامعة الاردنية، البروفيسور عبدالله العبادي، إن طاقات المركز قادرة على حقن مرضى تآكل غضروف ركبة القدم بالخلايا من دون أي جراحة، بعد اقتطاع جزء من نخاع العظم للمريض. لكنه يؤكد أيضا أن الجراحة ستبقى فاعلة، فثمة حالات تستوجب الجراحة. كذلك، استطاعت الخبرة الأردنية تسهيل إمكانية المعالجة بالخلايا لمرضى التصلب اللويحي، لاسيما الحالات المستعصية منه. كما تشمل قائمة المعالجة بعض أمراض السكري، والأمراض المناعية، والتبول اللاإرادي، وحروق الجلد، إضافة إلى الطبقة المخاطية من القرنية.
ثمة أمراض سرطانية كثيرة يمكن معالجتها بالخلايا. ولذلك، سيتعاقد المركز نهاية هذا العام مع العالم الأردني المقيم في كندا، أحمد أبو خضر، من أجل تطوير خلايا مناعية خاصة لمعالجة السرطانات. والحديث هنا عن ثورة علمية وطبية تستحق الرعاية.
لكن هذه الصورة الوردية للإنجاز الذي تسجله عقول أردنية، يتم بتمويل عاجز؛ إذ ينقصه المال حتى يحقق الصدارة والانتشار، وبما يعود على الاقتصاد الوطني بالمكاسب. فرغم أن صندوق البحث العلمي يدعم هذه الجهود، لكنه دعم قليل مقارنة بكلفة أبحاث ومشاريع المعالجة بالخلايا. ويسجل لصندوق التنمية السعودي دعمه السابق لمركز العلاج بالخلايا. وتؤكد إدارة المركز الحاجة الماسة إلى 10 ملايين دولار في العامين المقبلين، حتى يتسنى التقدم بخطوات أكبر لتوسيع أسلوب المعالجة بالخلايا، وصولا إلى تحقيق الانتشار على المستوى العربي، ووضع حد لمعاناة كثير من المرضى الذين لم تسعفهم الجراحة أو الأدوية في التخلص من أمراض باتت مزمنة.
السؤال هنا: أين القطاع الخاص الأردني من كل هذا؟ هل ثمة دعم أكثر أهمية من مد اليد لهؤلاء العلماء، لكي يضعونا، دولة واقتصادا وسمعة، في مراتب متقدمة إقليميا وحتى عالميا؟ وإشكالية الدعم لا تتعلق بمركز العلاج بالخلايا وحده، فهنالك مستشفيات أخرى، في القطاعين العام والخاص، تواكب هذا التطور أيضا، على رأسها مركز الحسين للسرطان الذي حقق سمعة عربية ودولية كبيرة.
يعتمد الاقتصاد الأردني، منذ وقت طويل، على تطور الطب في بلادنا. ويفتح الدعم الحقيقي للبحث العلمي في المجال الصحي الطريق واسعة لتعظيم الفوائد الاقتصادية وما أكثرها. وكثيرة هي نفقات وتبرعات القطاعين العام والخاص لمطرب هنا أو فريق رياضي هناك، في حين يشكل دعم مسار المعالجة بالخلايا سبقا كبيرا لتنافسية الاقتصاد في المستقبل القريب. فهل ينهي رجال الأعمال الغيارى في بلادنا مسألة نقص التمويل في هذا المسار؟
حسن احمد الشوبكي
المراجع
ujnews2.ju.edu.jo
التصانيف
صحافة حسن احمد الشوبكي العلوم الاجتماعية الآداب