بلغ التضخم وغلاء الأسعار في الأردن مبلغا كبيرا، بل أمسى الغلاء بتفاصيله المقلقة لمعظم العائلات الأردنية شبحا ينغص المعيشة ولا يوجد في موازاته أي اجراءات تسهم في تغيير الحال أو حتى تحقيق التكيف مع معاناة صعود أسعار السلع والخدمات المستمرة.
آخر الشواهد على استمرار مسلسل الصعود هذا كانت في بيانات معدل التضخم الذي ارتفع الشهر الماضي 6.1 %، فيما يمكن القول ان سلة السلع والخدمات التي يضمها مؤشر تكاليف المعيشة باتت غير مقنعة في تقلباتها السعرية باعتبار ان التضخم بالغ الاثر والقراءات والاحوال التي يقدمها المستهلكون في مساعيهم للتكيف تشير الى أن آثار الغلاء أكبر من مستوى المؤشر الذي يقيس سلة ترجيحية لمئات أسعار السلع الغذائية والمحروقات والسكن والملابس والخدمات الاخرى نسبة لما كانت عليه الاسعار قبل سبع سنوات.
 معظم الاستطلاعات المحلية والخارجية عن الأردن تؤكد بشكل واضح ان تعقيدات التكيف مع الاوضاع المعيشية وغلاء الاسعار تتصدران اهتمامات الأردنيين.
 والواقع يقول ان من يدرس ابنا أو أكثر في الجامعة فهو ضمن قائمة "المنكوبين"، كما يسميها كثير من الاباء، ولنا ان نتخيل فاتورة النفقات التي يحتاجها الابن في الجامعة منذ مطلع العام الدراسي وحتى نهايته.ثمة شواهد على اثر التضخم تفوق في صدقيتها دراسة اسعار السلة اياها من السلع والخدمات، فعندما تنبري الحكومة الكويتية لدراسة وزيادة ما تقدمه لطلابها الذين يدرسون في الأردن بسبب الارتفاعات غير المسبوقة للاسعار - ومثلها ايضا جاليات طلابية لدول عربية شقيقة- فإن الأمر يعني ان نسب التغير في اسعار السلع والخدمات على اختلاف صنوفها دخلت مرحلة جديدة في البلاد وبات اثرها ملموسا في حياة الجميع، وهو ما لا يمكن التعامل معه بأدوات الماضي والتحصينات الهشة.
التقييم على المستوى الاجنبي ليس احسن حالا، فعندما صنفت وحدة "ايكونوميست" الأردن ضمن أسوأ عشر دول على مستوى العالم بمستويات المعيشة استنادا الى 30 معيارا في التصنيف بما يشمل ظروف الحياة والخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية ومعدل الجرائم وغيرها، ولم يقف التصنيف عند عام وحسب بل رصد التغيرات المعيشية على امتداد السنوات الخمس وتوصل الى ان مستوى معيشة الأردنيين يتراجع بشكل تدريجي، وهو يواصل التراجع في العام الحالي بشكل أكثر سلبية بالاتجاهين الاقتصادي والاجتماعي.
لا اعرف ما الذي يمكن ان يفعله مبلغ 11 دينارا شهريا وهو العلاوة الشهرية لغلاء المعيشة على راتب كل معلم مهما كانت سنوات خدمته في القطاع العام، وبنفس المعنى، كيف سيقوى الموظفون والمعلمون على موجات غلاء وتضخم بعلاوة غلاء المعيشة البالغة 135 دينارا في السنة؟ ولنا ان نعلم ان احتجاجات المعلمين في العقبة والتي استمرت لمدة 32 يوما كانت لذات الاسباب المتصلة بالغلاء وتضخم الاسعار، وزيادة بدل السكن بمبلغ 50 دينارا كانت كافية لمعلمي العقبة القادمين من محافظات عدة ان ينهوا اضرابهم وهم يحاولون ان يتكيفوا مع معيشة قاسية واسعار خدمات في السكن والتنقل تنوء عن حملها رواتبهم الضعيفة.
عمان على قائمة المدن الأغلى عربيا هذا صحيح، والغلاء ينشر الخوف والقلق والمشاكل المستعصية على الحل في بيوتنا وقبل ذلك في نفوس الاباء والامهات الذين لا يجدون الكثير للإجابة على أسئلة الأبناء المتعلقة بالمعيشة، وحتى اليوم لم تتمكن مجالس النواب ومثلها الحكومات المتعاقبة من ربط الرواتب بالتضخم رغم مطالبات كثيرة بهذا الشأن.
التضخم في بلادنا تحد قاس ومفتوح، ويعبر عنه في الإعلام وبيانات السياسيين والاحصاءات الرسمية بصورة تقلل من حجم اثاره ومخاطره الحقيقية التي تفتك بقدرة أي اقتصاد على الصمود.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي