تفاعلات المجتمع مع البرنامج النووي الأردني مثيرة. فالمتابع، وإن كان يشعر بالفخر لمجرد الحديث عن "برنامج نووي أردني" وأن الأردن يخطط لدخول سوق الطاقة كمصدر لا مستورد، إلا أنه وفي الوقت ذاته يشعر "بالاستهجان الفرح" من وجود "لوبي" وحركة بيئة أردنية بدأت، بحسب ما سمعنا، تحقق نجاحات في إبطاء توجهات الأردن نحو نوويّه! لا ننكر على البيئيين حقهم في الاعتراض، ولكن بدورنا نؤكد أن اعتراضهم لا يجب أن يفقدنا بصيرتنا في ضرورة وأحقية إعلاء أولوية الطاقة النووية في بلد يستورد الغالبية القصوى من مصادر طاقته التي أنهكت موازنته، وهو يعاني من مشكلة مياه حادة، ووفرة الطاقة ستزيد فرصه في التغلب عليها.
المحافظة على البيئة الأردنية أمر مهم وسام، ولكن في بلد كالأردن، حيث ما تزال مستويات الفقر والبطالة وشح المياه والطاقة مشاكل استراتيجية كبيرة وملحة، فالحديث عن إعلاء أولويات البيئة أمر مستغرب، ويجعل الأردن دولة كالسويد واليابان، ونحن لسنا السويد ولا اليابان.. نحن بلد يريد إطعام أبنائه وإيجاد وظائف لهم وبناء اقتصاد متين، حتى لو كان ذلك على حساب بعض التجاوز على البيئة. أن نكتشف فجأة أن من أبنائنا من ينظر ويفكر بالأردن وكأنه في مرحلة "ما بعد المادية" (post materialism) فهو أمر مستغرب ومغلوط، ويجعلنا نتساءل عن واقعية تفكير البيئيين الأردنيين. الدول الصناعية المتقدمة أحق وتستطيع التنبه للبيئة وما يؤذيها، أما دول العالم الثالث بما لها وما عليها، فأولوياتها لا بد وأن تكون مختلفة.
تباين المواقف حول برنامج الطاقة النووي الأردني لم يأت فقط بسبب التباين في الرؤى، بل وبسبب حالة الغياب شبه الكامل للمعلومة الدقيقة حول هذا الشأن الكبير والاستراتيجي. فمزيد من الأردنيين يبتاع يوما بعد يوم أن برنامجهم النووي هو شر بيئي، وأن كارثة إن وقعت سيكون من المستحيل السيطرة عليها، وستعيد الأردن للعصر الحجري. وهذا ببساطة نصف الحقيقة العلمية عن واقع الطاقة النووية في العالم، ومن يحاول إسقاط ما حدث في اليابان على ما "سيحدث" في الأردن عليه تحري الدقة والإيجابية، باستحضار تجارب ناجحة مختلفة من العالم، مثل فرنسا وأميركا وحتى الهند، ولا بد أيضا من إظهار التمايز بين طبوغرافية اليابان والأردن. 
يروي أيضا المتوجسون من البرنامج النووي الأردني معلومات مغلوطة عن بدائل الطاقة النظيفة، ويتجاهلون الحقيقة العلمية البديهية في أن لا طاقة الرياح ولا الطاقة الشمسية كافية لإنارة الدول وتشغيل مصانعها ومرافقها، وأن النفط والطاقة النووية هما المصدران الأساسيان للطاقة في العالم مهما كره البيئيون ذلك.
هناك تقصير إعلامي واضح من قبل المؤسسات المعنية بالدفاع وتوضيح الحقائق حول البرنامج النووي الأردني. وهناك أيضا قلة استثمار وطني لهذا الجهد الاستراتيجي الاستثنائي، فالأصل أن يلتف الأردنيون حول مسعى دولتهم بناء برنامج نووي، وأن يصبح ذلك مصدر فخر واعتزاز لهم ورافعا لمعنوياتهم الوطنية. 
ظروف الأردن الاقتصادية تملي منطقية بناء برنامج نووي للطاقة، والملاحظات البيئية حول البرنامج يجب أن تؤخذ ما أمكن بعين الاعتبار، لكن ولا بأي حال من الأحوال أن تقف بوجه حق الأجيال القادمة في تأمين مصادر وطنية مستقرة للطاقة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. محمد حسين   جريدة الغد