ما الجدوى من وجود مئة ألف موقع أثري وسياحي، تتناثر على امتداد الجغرافيا الأردنية، لكن لا يوازيها تسويق منهجي لاستقطاب السياح إلى بلادنا؟
في التصنيف، يأتي الأردن في المرتبة الأولى عالميا من حيث توفر المواقع السياحية التي تمثل بانوراما تاريخية تشمل العصور القديمة والحديثة والمعاصرة، وبحيث يتشابك في هذه المواقع التاريخ الإسلامي والمسيحي الروماني والبيزنطي وكذلك النبطي، ضمن فسيفساء سياحية تحكي قصة ثروة البلاد وكنوزها، إنما من دون أن يقابل ذلك جهد ترويجي مقنع، يعود بالنفع على اقتصاد الدولة. فيما هناك دول ليس لديها مثل هذا الثراء، لكنها تمكنت من رفع حصة السياحة من الناتج المحلي الإجمالي تباعا، ناهيك عن تشغيل آلاف الأسر التي تعتمد على السياحة بوصفها مصدر رزقها الأول والأخير.
صحيح أن السياحة في بلادنا تسهم بما يقارب 13 % من الناتج المحلي الإجمالي، ويشكل إجمالي العاملين فيها ما نسبته 6 % من إجمالي العاملين في كل القطاعات. لكنّ هاتين النسبتين ليستا عادلتين مقارنة بحجم الثروة السياحية المنتشرة في أرجاء البلاد. وفيما يبلغ حجم الإنفاق لترويج هذه الثروة مبلغ 6 ملايين دينار سنويا فقط، فإن الغريب أيضا أن يتراجع هذا الإنفاق، بعد أن وصل في سنوات سابقة إلى ما يفوق 9 ملايين دينار، فيما الأصل أن يكبر ويتضاعف، وأن يمر بمسار ممنهج لتسويق الأردن سياحيا، واستغلال اللحظة الراهنة التي تعاني فيها دول إقليمية من تقلبات تقلص فرصها في الحضور السياحي. وثمة ترديد لعبارة "أردن الأمن والأمان"، لكن ليس ثمة استثمار حقيقي في هذه العبارة، أو تلك المعالم الشاهدة على تاريخ ثريّ من حولنا.  
الحكومة تعترف بوجود إشكالية في تسويق وترويج الأردن سياحيا. لكن هذا الاعتراف ينطوي على إعادة إنتاج للتبعية مع الخارج. إذ يذهب الاعتراف الحكومي إلى أن القطاعين العام والخاص في المملكة فشلا، في سنوات مضت، في تسويق الدولة سياحيا لدى العالم، ما قاد إلى إعلان الحكومة عن ضرورة البحث عن مطور خارجي يقوى على جذب ملايين السياح إلينا، ويطيل مدة إقامتهم في الأردن.
ذات المعضلات تظهر أمامنا بشكل جلي ونحن نرصد تفاصيل الفشل. فالقطاع الخاص يؤكد أن ثمة قيودا على صناعة السياحة، في جلها تشريعية. في حين أن هيئة تنشيط السياحة لم تغادر مربع الأنماط التقليدية في الترويج؛ مثل المؤتمرات الصحفية خارجيا، والمشاركة في المؤتمرات والمعارض بشكل أقرب إلى النسق البيروقراطي منه إلى الفعل الإبداعي الذي يحدث فرقا.
تؤكد دراسات محلية أن إنفاق دينار واحد في ترويج السياحة، يقابله عائد بقيمة 200 دولار. ومن الممكن تخصيص نسبة معلومة من إجمالي إيرادات الدخل السياحي لغايات الترويج. لكن ذلك لم يتم حتى الآن، وننتظر أن يأتينا مطور خارجي ليقول للعالم إن لدينا تاريخا عريقا وثروات سياحية يمكن الوقوف أمام عظمتها؛ وبصورة تعيد للأذهان ما فعله الرحالة النمساوي جون بيركهارت، عندما كشف النقاب عن البتراء وعظمتها للعالم قبل نحو قرنين.

 

حسن احمد الشوبكي


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  حسن احمد الشوبكي   العلوم الاجتماعية   الآداب