قلوب كثير من الأردنيين كانت مع هذه الحكومة عندما أتت، لرغبتهم الصادقة في أن تنجح بسبب اللحظة الاستثنائية التي يمر بها البلد، ولكن من هؤلاء مَن أغمدوا سيوف دفاعهم عنها بسبب بعض القرارات في بدايات عهدها والتي أطاحت برصيد الدولة الذي راكمته في مكافحة الفساد والتي "أفجعت" الرأي العام الوطني آنذاك وجعلتنا قصة الاقليم وفضائياته. اليوم وبعد تصحيح الحكومة قراراتها الخاطئة مدفوعة بحزم ملكي واضح بدا جليا لكل من حظي بشرف لقاء جلالة الملك، نسجل لها هذا الإنجاز تماما كما سجلنا عليها ما قبله. الحكومة الآن ذات معنويات مرتفعة، وهي تستعيد ومن جديد حضورها السياسي الذي كان قد تبدد، وسيبدأ وبزمن قياسي كثير من الأردنيين باستحضار القدرة على رؤية إيجابيات هذه الحكومة بعد أن عتّم على ذلك تعاملها مع الفساد في بداية عهدها.
استعادت الحكومة زمام المبادرة وتستطيع الآن إدارة وقيادة المشهد السياسي بفعالية وإقناع، وتوجيهه لنهايات سياسية مفيدة وطنيا للجميع، وهي معنية بإعادة التأكيد على منجزها الإصلاحي الذي اشتمل على محطات سياسية غاية في الأهمية من تعديل وإقرار لقانون الاجتماعات العامة، مرورا بقانون نقابة المعلمين وإقراره، وجهدها المنتظر في استمرار الدفع بالتعديلات الدستورية وتقديم قانوني انتخاب وأحزاب متقدمين، ومن وحي توصيات لجنة الحوار الوطني. الحكومة ومن خلال إبراز هذا المنجز الإصلاحي ستجلب لصفها كثيرا من فئات المجتمع الأردني التي تريد الإصلاح المعتدل والمتدرج والصادق، وهذا أمر من شأنه أن يعيد التوازن والرزانة للمشهد السياسي الذي استباحته بعض الأطروحات التي آثرت الغلو.
هناك ضرورة، والحكومة باتت مهيأة، لعزل القوى السياسية التي تحاول استغلال اللحظة الوطنية بصورة غير بناءة، فهي تارة تحض على الفوضى وفي أحيان تستحضر تجارب إقليمية وتحاول إسقاطها على المشهد الوطني في سلوك سياسي استفزازي للدولة والمجتمع. يجب تعرية خطاب هذه القوى السياسية وتبيان براءته من الإصلاح. بالتزامن، فلا بد من الاشتباك إيجابيا مع من يريدون الإصلاح بتدرج وعقلانية وموضوعية، والاستفادة من أطروحاتهم ومحاولة استمالتهم وإقناعهم بالنهج الإصلاحي للحكومة حتى يكونوا قوى مجتمعية مساندة له.
التعامل مع الحراك الشعبي بقي للحظة مؤطرا ضمن دائرة الاحتواء وسعة الصدر إلا في حالات محدودة بدت معها الحاجة لرسم خطوط لهذا الحراك، ولكن الآن تبدو الفرصة مهيأة لسحب البساط من تحت أقدام أنواع الحراك المستهتر الذي لا يريد إصلاحا ولا ديمقراطية وإنما الفوضى واللاإستقرار. هذا النوع من الحراك يجب أن يظهر على حقيقته أمام المجتمع الاردني حجما ونوعا، لنعلم جميعا كيف نتعامل معه وبأي أذن نستمع إليه.
لنا جميعا اجتهادات حول منهج الإصلاح وسرعته وفحواه، ولكنّ قليلا من اللاذاتية تجعلنا نخلص أن خط سيرنا الإصلاحي يسير بالاتجاه الصحيح وبسرعة مقبولة، وقد حققنا تنمية سياسية على مدار الأشهر الماضية ما لم يتحقق على مدار العقدين الماضيين، وهذا يجب أن يسجل.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد