ما الجدوى من إقرار القوانين والتشريعات وإنشاء المؤسسات، إذا كنا سنلتف عليها، بل ونلجأ إلى الخارج بغية تمرير صفقات داخلية، بدعوى شرعنتها من قبل مؤسسات ومختبرات أجنبية؟
ولعل اتفاق الحكومة مع شركة مصفاة البترول الأردنية على إرسال عينة جديدة من أسطوانات الغاز المستوردة من الهند إلى مختبر ألماني، إنما يندرج ضمن باب تجاوز مؤسسة وطنية قالت كلمتها بخصوص عدم صلاحية هذه الأسطوانات للاستخدام في السوق المحلية.
يستطيع الرأي العام تفهم أن يكون اعتماد مختبر عالمي لإجراء فحوصات شاملة للأسطوانات غير المطابقة للمواصفة الأردنية، هو إجراء تهدف "المصفاة" من ورائه إلى الحصول على حقوقها المالية من المصنع. فهذا أمر منطقي، إن كان المصنع يلتزم قانونيا فقط أمام مختبرات دولية لا محلية. لكن مثل هذا الإجراء يخرج من دائرة المنطق إن كان هدفه الحصول على نتيجة بأن "الأسطوانات" جيدة، وبالتالي إدخالها للسوق المحلية.
ولا معنى لأي تجاهل أو تذاك من جانب أي مسؤول بشأن قرار مؤسسة تعمل وفقا للقانون، وتعنى بصحة وسلامة الأردنيين. فأي التفاف بهذا المعنى، لن يكون في مواجهة "المواصفات والمقاييس" التي أصدرت قرارها القانوني، وإنما سيكون ضد الرأي العام برمته، بعد أن سيطرت قصة أسطوانات الغاز على اهتمام الأردنيين.
وللتذكير، فإن مؤسسة المواصفات والمقاييس تقوم، منذ عقود، بدور كبير في اعتماد المواصفات القياسية والقواعد الفنية الأردنية. وهي الذراع الحكومية التي نحترم، وتسعى إلى بث الطمأنة في بيوت الأردنيين في كل لحظة. وتعمل بموجب قانون المواصفات والمقاييس رقم 22 لسنة 2000، وليس فيها مساحة للهوى الشخصي أو المزاجية. ومن أهدافها الرئيسة الإسهام في تحسين المستوى البيئي في الأردن، وضمان مطابقة المنتجات المطروحة في الأسواق للقواعد الفنية والمتطلبات الإلزامية لحماية صحة وسلامة الإنسان وحقوقه. وفي المادة الرابعة من القانون الذي يشكل بمواده الخمس والثلاثين مرجعية للمؤسسة، يجيب البند (ج) على أسئلة أغفلت دورا حيويا واستراتيجيا للمواصفات والمقاييس، ويتمثل في "توفير الحماية الصحية والبيئية والسلامة العامة للمواطنين من خلال التأكد من أن المنتجات مطابقة للقواعد الفنية المعتمدة من قبل مؤسسة المواصفات والمقاييس". وفي هذا النص القانوني دلالة بالغة، تشدد على أن المنتجات يجب أن تكون مطابقة للقواعد الفنية التي تعتمدها مؤسسة المواصفات والمقاييس ومختبراتها، لا المختبرات البريطانية أو الألمانية أو سواها.
تجاهل "المصفاة" لقرار "المواصفات والمقاييس"، حتى لو كان ذلك في التصريحات الإعلامية، يعد انحرافا عن القانون. ومثله اعتماد الحكومة إرسال المزيد من العينات للفحص الخارجي. والأولى أن لا نحوم حول الحمى، وأن لا ندخل في الشبهات وحديث الضغوط؛ فنلتزم بقرار مؤسسة اقتصادية كبيرة، ما تزال حتى هذه اللحظة مرجعية قانونية، هدفها سلامة الأردنيين، بعيدا عن حسابات الخسارة والربح والصفقات.
بالمناسبة، من الخطورة بمكان، في أي دولة، أن يتراخى مسؤولو المواصفات والمقاييس والغذاء والدواء، والصحة والمختبرات والرقابة عموما، وأن يتعاملوا مع الأمور بمنطق الصفقات أو التسويات. ويسجل لتاريخ الإدارة الأردنية المعاصرة وجود أسماء مثل حيدر الزبن وهايل عبيدات وآخرين، يجيدون قول كلمة "لا"، بغية تحقيق مصلحة الأردنيين، وضمان حياتهم ومعيشتهم في ظل اقتصاد شفاف لا التفاف فيه على القوانين.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي