روسيا المناصرة للقمع والإبادة!

 
من حق أي مواطن عربي أن يستهجن السياسة الروسية تجاه ثورات الإصلاح العربية، وأن يتساءل لماذا ارتضت روسيا لنفسها أن تكون نصيرة الدول المارقة والقادة الذين يذبحون شعوبهم بعد أن استعبدوهم سياسيا وقيميا، وحولوّا اقتصادات دولهم إلى "بزنس عائلي"؟! ومن حق أي مراقب للعلاقات الدولية أن يتساءل عن الأساس القيمي الذي تستند إليه السياسة الخارجية الروسية، وما إذا كانت ملتزمة بمنظومة الأمن الجماعي والقانون الدولي الإنساني؟ 
نفهم لغة المصالح، وندرك تماما أن خطابات كثير من دول العالم القيمية هي حبر على ورق ليس إلا، ولكن حتى على قاعدة لغة المصالح فإن الموقف الروسي غير مفهوم ومستفز للرأي العام العربي، وليس أدل على ذلك من أن موقف الدول العربية والجامعة العربية في الحالة الليبية على الأقل هو موقف مساند للشعب الليبي الذي يتعرض لمذبحة على يد رئيسه ومليشياته الإجرامية، على عكس روسيا حليفة القذافي ونصيرته. 
روسيا تدافع عن الرئيس الليبي مخالفة بذلك العالم والعرب، ومتجاهلة الطبيعة الوحشية للنظام الليبي في تعامله مع الشعب. مفهوم ومقبول، بل وضروري أن تبقى الثورات العربية وطنية الحافز والهدف، ولكن في الحالة الليبية فإن الأمر ارتقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي لا يجوز لأي إنسان أو دولة أن تقف مكتوفة الأيدي حيالها، فما بال روسيا لا ترى ذلك؟!
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تعرضت روسيا لتحولات عميقة في سياستها الخارجية، وقد تعرضت للتهمش والمهانة من قبل الغرب لسنوات طويلة، ولكن بناء الهيبة الدولية لروسيا لا يجب أن يكون عن طريق دعم دول تقتل شعوبها ومدنييها، فهذا من شأنه استراتيجيا أن يزيد من عزل روسيا ويقلل من حضورها الدولي. كان يمكن لروسيا استغلال أحداث دولية أخرى لترسيخ حضورها الدولي، ولكنها آثرت عدم ذلك، والمثال الحاضر هو وقوفها متفرجة على الحرب الأميركية على العراق في العام 2003 رغم عدم شرعية تلك الحرب، كونها لم تكن بقرار أممي وانعدام الضرورة لها.
مطلوب من روسيا أن تكون فاعلة دوليا بهدف ترسيخ مبدأ العمل الدولي الجماعي لا الأحادي، ولكن ليس مطلوبا منها وليس بنّاء أن تعارض التوجهات الدولية والإقليمية لمجرد الممانعة ومن دون أي اعتبار للقيم الدولية الإنسانية ولحق الشعوب في أن تعيش تحت أنظمة حكم إنسانية. وفي حالة الثورات العربية، فعلى روسيا أن تستغل اتصالاتها وعلاقاتها مع الأنظمة العربية لتقديم النصيحة بضرورة الانفتاح والدمقرطة حتى لو كان ذلك ضمن المعايير الروسية التي لم ترتق بعد لمستوى الديمقراطية، لكنها تبقى أفضل وأكثر تقدما من ديمقراطية كافة الدول العربية.   
روسيا تكتسب مسموعات دولية في أنها دولة مناصرة للقمع والإبادة، وعلى هذا ستترتب تكلفة سياسية ولو بعد حين، والأولى أن تختط روسيا لنفسها منهجا مستقلا ومنسجما مع الأعراف والقيم الدولية، وأن تطرح مواقفها بناء عليه، وهذا ما لا نراه يحدث في تعاطيها مع الثورات العربية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. محمد حسين   جريدة الغد