بعد أربعة وأربعين عاما على حكم عائلة الأسد، ودخول الثورة السورية وتداعياتها العام الرابع، تنتشر الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، وترسم لوحة موجعة للموت والفقر والخراب. وثمة تهديد حقيقي بمجاعة في بلاد تملؤها الخيرات، فيما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن احتمالية زيادة عدد اللاجئين السوريين عن 4.1 مليون لاجئ، وكأكبر مجموعة لاجئة في التاريخ المعاصر.
وبين النزوح الداخلي واللجوء الخارجي، تشتت أكثر من 7 ملايين سوري (يعادلون قرابة ثلث عدد السكان) في أماكن ومناطق لا تصلح للعيش. وتؤكد بيانات برنامج الغذاء العالمي أن نصف سكان سورية يعانون انعدام الأمن الغذائي، فيما أكثر من 6 ملايين إنسان يحتاجون مساعدات غذائية للبقاء على قيد الحياة. وإذا احتسب عدد الذين فقدوا مصدر رزقهم ووظائفهم، وهو 2.3 مليون سوري، فإن نسبة البطالة تقترت من 50 %.
أما التعريج على الملفات الأخرى، فيشير إلى خراب لا يقل خطورة مقارنة بما سبق من مؤشرات؛ حيث تسرب الأطفال من المدارس، وانعدام الشروط الصحية، وعدم توفر الأدوية  للكبار والصغار؛ ومثلها إغلاق المصانع وفرار ثلاثة من بين كل أربعة رجال أعمال إلى الخارج. وكذلك تدمير البنية التحتية، وتعطل أشكال الحياة والاقتصاد، وفقدان العملة المحلية لنحو 80 % من قيمتها في ثلاث سنوات، رغم محاولات النظام منع المضاربة عليها، وإبقاء الليرة السورية وسيلة وحيدة للتداول والتعامل داخل سورية.
في ظل هذه الكوارث المتدحرجة على صعيد الإنسان والاقتصاد، والدولة التي لم يتبق منها الكثير، تُظهر التقديرات أن إجمالي حجم الخسائر التي لحقت بالاقتصاد السوري تقارب 200 مليار دولار. وهو يسجل مع كل شهر -في ظل استمرار الأوضاع الحالية- خسارة جديدة بحجم يقارب 4 مليارات دولار. ويدفع ثمن هذا الخراب كله السوريون وأطفالهم، بعد أن عاد كثير منهم، لاسيما في الأرياف، إلى ملامح المعيشة البدائية. أما المساعدات الأممية التي تأتي عبر الصليب الأحمر ومنظمات الأمم المتحدة، ورغم شحها، فإنها تدار من طرف النظام، باعتبار أن الامم المتحدة تتعامل فقط مع النظام لا المعارضة المسلحة، فلا تصل المساعدات إلى المناطق التي طالب أبناؤها بتنحي الأسد.
بعيدا عن ضجيج الأرقام والمؤشرات، وبؤس الحالة الاقتصادية، ثمة صورتان ترسمهما الحالة السورية اليوم بكل سوادها: الأولى، للطفلة حلا علاء الفروخ التي لم تكمل عامها الأول، وفارقت الحياة الأسبوع الماضي متأثرة بالبرد الذي هاجم جسدها الغض لثلاثة أيام على الحدود، عقب هروب عائلتها بحثا عن لجوء يقيها براميل النظام. فيما الصورة الثانية لرئيس يظهر على الملأ بملابس أنيقة وغالية الثمن، ويحمل في يده حقيبة جهاز كمبيوتر، وكأن شيئا لم يحدث في البلاد التي تتداعى من شمالها إلى جنوبها.
العلاقة قائمة بين الصورتين، فحتى تتكرر مأساة حلا مع أخريات، يجب أن يستمر حكم عائلة الاسد التي تسببت على امتداد العقود الأربعة الماضية وحتى اليوم في فساد ونهب لثروات البلاد، تقدر قيمتهما بمئات المليارات من الدولارات، ضمن الدائرتين الأولى والثانية المقربتين من العائلة.
يبدو أن لا مكان لطير الجنة حلا في وطنها أو خارج حدوده، والأرض كل الأرض لأصحاب الملابس الأنيقة، من رؤساء جلبوا لشعوبهم الخيبات والمرارات وصولا إلى الموت!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي