يوم وطني أغر عشناه أول من أمس ونحن نحتفل بذكرى الاستقلال، لتأتي رسالة جلالة الملك فتعطينا عنوانا وطنيا جديدا، وتذكرنا ببعض من قيم هذا البلد السياسية التي غفلنا عنها في تداولاتنا. الرسالة شكلاً، ترسيخ لتقليد أردني عريق بأن تقوّم القيادة الملكية النهج الوطني وتنبه للطارئ منه والخارج عن سياق منظومة الخلق السياسية الأردنية. ومن حيث التوقيت، فهي تأتي في يوم الاستقلال الذي غدا مناسبة للخروج عن المألوف السياسي الناقد، فنتذكر فيه الإيجابيات ونصفَ الكأس الممتلئ من مسيرنا الوطني. رسالة جلالة الملك تذكرنا أن الحق في القول والابتعاد عن الافتراء كان دوما ديدن هذا المجتمع الطيب، وأن الخروج عن هذه القيمة جريمة بحق الوطن وتاريخه وإنجازاته.
ما هكذا يحارب الفساد، هو جوهر الرسالة الملكية، فلا بالتجني ولا بالافتراء نسيطر على هذه الآفة، بل بالدقة في التفنيد والتمحيص وتحكيم القضاء. كلنا نريد محاربة الفساد، ولكن ما يحدث الآن تخبط أدى إلى تفاقم هذه الآفة، واستباح البلاد، ولوّث سمعة الوطن، وأبطأ الاستثمار، وأرعب المسؤولين النزيهين قبل الفاسدين الذين باتوا يتلمسون حولهم ويترددون في اتخاذ القرارات حتى لا يقعوا فريسة إشاعات الفساد. بل إن العبثية في إطلاق الأحكام حول الفساد والإفساد أصبحت تصب، من حيث ندري أو لا ندري، بصالح الفاسدين الذين ظهروا وكأنهم ضحايا مرحلة وتخبط، بدل أن يكونوا جناة مدانين لفسادهم وإفسادهم.
الظلم ظلمات، وكأن الملك يقول، ونحن شعب لا نظلم ولا نحب أن نُظلم، فما بالنا عندما يطال الظلم بيت جلالة الملك، من منا سيكون محصنا بعد ذلك؟ أفعدل أن يستباح فضاؤنا السياسي بالإشاعات والإغراض التي تطلق لأسباب سياسية انتهازية لا تخفى على أحد؟
كل الأردنيين ضد الفساد، وندرك تماما أن لا شأن يستفز الرأي العام الأردني أكثر من الفساد، ولكن أن نتحدث عن الفساد ونفنده وندعو لمحاربته شيء، وأن يصبح الفساد تهمة جاهزة تقذف بوجه الجميع من دون حرمة أو مخافة لله فهذا ليس من الأردن في شيء.
تدخل جلالة الملك سامٍ وكبير، وفي توجيهه لحكومته بضرورة تفنيد المعلومات وعدم السكوت عن الاتهامات ووأد الفتنة، أمر تنفيذي مباشر بضرورة التنشط في التعامل مع ظاهرة الفساد بإقدامية وبصورة تقنع الرأي العام بثبات ومصداقية توجه الدولة لمحاربة الفساد.
الدولة، مرة أخرى، تتدخل لمعالجة إخفاق الحكومات. فقد كان لتخبط الحكومة في إدارة ملف الفساد أثر مباشر وأساسي في انتعاش إشاعات الفساد. وقد آذى ذلك، وبشدة، مصداقية الدولة في هذا الشأن. الحكومة أكدت أن أحاديث الفساد "انطباعية"، وهذا صحيح، ولكنها وبجرّة قلم غذّت تلك الانطباعات عن انتشار الفساد بل وبليونة الدولة معه. وهذا بدوره أنتج حالة من عدم الارتياح، وتصاعدت من جديد دعاوى المسيرات والاعتصامات، ما رتب عبئا وحتمّ تدخلا من قبل أجهزة الدولة لتدارك تداعيات الموقف في كل جمعة. لقد بات من الضرورة بعد رسالة جلالة الملك البت في قضايا الفساد العالقة التي استفزت الرأي العام، والعودة عن بعض القرارات التي استفزت الناس، وهذا وحده الذي سينقذ الموقف ويقطع دابر الإشاعة والافتراء.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد