بإيجابية استقبل العرب والفلسطينيون اتفاق إنهاء الانقسام بين الضفة وغزة، واعتبروه استحقاقا متأخرا، وطيّا مرحبا به لصفحة الفصائلية الضيقة والانتهازية التي استباحت المشهد الوطني الفلسطيني. ذاتيا، لست ممن يعتقدون بهذه النهاية، فهي ليست جذرية ولا تعود بالفلسطينيين لمرحلة ما قبل الانقسام، بل وترسخ في بعض جوانبها ذلك الانقسام، كقبولها أن تستمر الأمور ميدانيا على حالها، بما في ذلك تبعية الأجهزة الأمنية. وكان الأحرى أن ينتهي الانقسام بشكل نهائي وجذري، وبما يعيد الوحدة للشعب الفلسطيني كما كانت قبل العام 2006.
أسباب إنهاء الانقسام كثيرة: التغيرات السياسية في مصر وسورية، واضمحلال آمال حماس بانتزاع اعتراف عربي ودولي ذي معنى، وتزايد الضغط الغزّي على حماس بعد أن تبين انعدام ديمقراطيتها أو إيمانها بالتعددية، ومصداقية الرئيس الفلسطيني التي جعلت حماس تقبل بقيادته من جديد، وأخيرا فشل حماس في استدامة مشروع كفاح مسلح تكون أرض رباطه غزة؛ فقد تبين أن جبهة حماس كانت أقرب بهدوئها للجبهة السورية، وان كانت قياداتهما ذات حناجر كبيرة.
المصالحة سياسيا وتفاوضيا لن تعني الكثير، فالسلطة متبنية لمنهج التفاوض كوسيلة استراتيجية لإنهاء الصراع واستعادة الحقوق، وهي تصر أن هذا المنهج ليس أقل إنتاجية من أسلوب الكفاح المسلح الذي باتت تكلفته على المشروع الوطني الفلسطيني أكبر من فوائده. ما سيحدث بعد المصالحة أن جبهة غزة "ستبقى" هادئة، ولكن ستتمكن حماس الآن من لوم السلطة على ذلك، وتعود لشعاراتها الثورجية التي لن يتمكن أحد من محاسبتها عليها. وتفاوضيا أيضا لن يتغير الكثير، فسيستمر الرئيس الفلسطيني والسلطة والمنظمة بالتفاوض بالنيابة عن الشعب الفلسطيني (كله الآن)، وبعد أن يتم التوصل لاتفاق سيكون من مسؤولية الجهة المفاوضة تسويق ذلك الاتفاق، سواء باستفتاء أو تصويت برلماني أو غيره. 
من هنا، فأنا لا أفهم الموقف الأميركي بالتحديد. فهو وإن كان يعتبر حركة حماس حركة إرهابية، إلا أنه كان لا بد وأن يرى أن إنهاء الانقسام تفاوضيا وسياسيا لن يعني الكثير. لا أحد بالطبع يتوقع مباركة أو ترحيبا أميركيا بالاتفاق المبرم، ولكن في قناعتي أن إنهاء الانقسام لا بد أن يزيد من منسوب الثقة بالرئيس الفلسطيني المفاوض، ويعزز من مصداقية وإلحاحية حل الدولتين، وهذان أمران يتماهيان مع الرؤية الاستراتيجية الأميركية لهذا الملف.
موقف حكومة نتنياهو مستفز كما العادة ولكنه متوقع؛ أفلا تنتمي هذه الحكومة ليمين يعتقد أن حركات التحرر العربي خير دليل على أن "الاحتفاظ بالأرض" هو ضمانة إسرائيل الأمنية الوحيدة بعد أن تمت الإطاحة بمن أبرم معهم السلام! إسرائيل اعتقدت أن المصالحة الفلسطينية "تجاوز للخطوط الحمراء" لأن حماس منظمة تريد القضاء على إسرائيل، وتجاهلت حقيقة استمرار التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين لسنوات قبل الانقسام تحت نيران التهديد والوعيد الحمساوي. إذا كان نتنياهو معنيا بالقضاء على من يريدون القضاء على إسرائيل، فعليه أن يتوقف عن سياسة سحب البساط من تحت أقدام شريكه التفاوضي وإحراجه أمام شعبه، وأن يترك له هو مهمة تسويق اتفاق السلام بعد أن يبرم، أما أن يختلف نتنياهو على نهايات هو لا يسير خطوة واحدة باتجاهها، فهذا خارج إطار العقل.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. محمد حسين   جريدة الغد