ما هوامش التحليل التي يفتحها عدد الاحتجاجات العمالية خلال العام الماضي؟ من دون شك، فإن احتجاجات مقلقة، تقف خلف حالة أقرب الى الفشل منها إلى النجاح. ففي التقرير السنوي الرابع للمرصد العمالي التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، ثمة ما يدعو للبحث والتأمل. إذ بلغ عدد الاحتجاجات العمالية 890 احتجاجا؛ استجابت الحكومة، ومؤسسات عامة كبرى وشركات، لـ5 % فقط منها.
دلالات هذا الرقم كثيرة وخطيرة. فبرغم انحسار الحراك الشعبي، إلا أن المطالب العمالية ذات الصلة بالحالة المعيشية والوضع الاقتصادي ظلت حاضرة وبقوة. كما أن عددها كبير، وينبئ بحالة ظلم عامة يعاني منها العمال.
وبما أن تحسين الوضع المعيشي يتصدر أولوية المحتجين، من الرمثا شمالا إلى العقبة جنوبا، فإنه ينبغي على الحكومة والشركات في القطاعين العام والخاص، الإنصات جيدا لصوت الفقر والحاجة القادم من هذه الاحتجاجات، وإعادة النظر في أجور العاملين، وكذلك تغيير النصوص القانونية التي تتيح للمؤسسات التي تخضع لإعادة الهيكلة تسريح موظفيها؛ ولنا أن نتخيل أثر عمليات الفصل الجماعي التي شهدتها بعض المؤسسات التي خضعت للهيكلة السنة الماضية، إذ أنتجت بطالة جديدة، أُحبط بسببها شباب كثر ما يزالون يتلمسون خطوتهم اللاحقة نحو مستقبل لم تتضح ملامحه بعد، وتحولت طاقة هؤلاء إلى اعتصامات ووقفات احتجاجية بأبواب مؤسسات ووزارات لا تصغي!
المأزق اقتصادي ومتراكم، ويتصل بشكل ومضمون عيش الأردنيين؛ فلا تنفع معه المعالجات الأمنية. وكثرة الاحتجاجات تعني انتشار الظلم، كما تعني أن الموظفين والعمال لا يثقون بإدارات مؤسساتهم، مما يدفعهم للوقوف بأبوابها وإيصال صوتهم للرأي العام.
حال انعدام الثقة بالمؤسسات وبكل ما يحيط بالفرد، والخوف من المستقبل، ونكد العيش عموما الذي يسعى الرجل إلى تغييره بتصدره التظاهرات للمطالبة بالحقوق المعيشية، هذه الحال تجد ما يشابهها بالنسبة للمرأة في الأردن. ولا غرو في النتيجة التي وصل إليها تقرير أممي بأن 42 % من الأردنيات لا يشعرن بالسعادة، وأن أبرز أسباب ذلك عدم توفر الأمن الاقتصادي بالنسبة لهن، وغياب استقلاليتهن المالية؛ ما يدفعهن إلى الدوران في فلك الرجل الذي يعاني هو أيضا ما يعانيه.
الشعور بالظلم والكبت والحرمان والتهميش في أوساط الأردنيين والأردنيات، وفقا لما تظهره الدراسات والإحصاءات، ينسف في نفوسهم ونفوسهن أي إحساس بالأمان، ويتولد عن ذلك اغتراب له دلالات خطيرة؛ بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك السياسية.
كل أسرة أردنية لديها ما يكفي من أوجاع العيش. والأولى بالحكومة ومؤسسات القطاعين العام والخاص، البحث عن أسباب عدم سعادة الأردنيين، واستمرار احتجاجاتهم وتذمرهم من أحوالهم المعيشية، لا مواصلة الاستدانة من الخارج والحديث عن وفرة الاحتياطات في البنك المركزي. والعقدة في تقديري أن كثيراً من نخب المسؤولين ومديري الشركات لا يرون الأردنيين إلا من نوافذ بيوتهم المتخمة وسياراتهم الفارهة!
في العالم المتحضر، يعمل الأفراد وتنشط المؤسسات وينمو الاقتصاد وتتحرك الحكومات، ضمن آلية هدفها الأول والأخير سعادة الفرد، وتحقيق أحلامه وتطلعاته؛ لا تنغيص عيشه وتكدير أيامه، كما في عالمنا المتأخر.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي