ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل بامتياز، عنوانها محاضرات رؤساء وزراء سابقين في الشأن الاقتصادي، كما في الشؤون العامة الأخرى. وفي تفاصيلها يبدو المحاضر منظّرا متماسكا على صعيد الرؤية الاقتصادية الملهمة والحلول "الذكية". لكن إذا عاد المرء سنوات للوراء، فإنه سيجد العجب العجاب إبان قيادة ذات الشخصية للفريق الحكومي!
صحيح أن الشخصيات السياسية والاقتصادية في الدول المتقدمة تعكف على تأليف الكتب وسرد سيرتها المهنية بعد التقاعد، غير أن هذا الفعل لا يتناقض مع طبيعة دور هذه الشخصيات خلال إشغالها المنصب. في حين يبدو التناقض جليا في الدول المتأخرة تنمويا وسياسيا؛ فرئيس الوزراء لا يحكم لأربع سنوات، ووفق خطة تعبر عن حزب أو برنامج اقتصادي. وفي عام واحد وربما أقل، تأتي الحكومات وتمضي من دون وضوح اللون الاقتصادي.
ثمة محاضرة تذهب إلى أن الاقتصاد الأردني يحتاج إلى مقاربة الطريق الثالث؛ غير سيطرة الدولة ومسار الاقتصاد الحر. وفي موازاتها تتبدى محاضرة أخرى تركز على أن تحقيق الاستقلال الاقتصادي أساسي لصناعة القرار في الدولة، وأن الإصلاح الاقتصادي يسبق الإصلاح السياسي. وفي ثالثة يذهب المحاضر إلى أن شرارة "الربيع العربي" جاءت من الدول التي وقعت فيها سابقا انقلابات عسكرية، في الوقت الذي علت فيه أصوات الشعوب المقهورة في معظم الدول العربية رفضا لثنائية الفساد والاستبداد.
كلها محاضرات تؤكد على العدالة الاجتماعية، وتغيير مخرجات التعليم، وعدم تضخيم القطاع العام، وإيجاد بدائل تمنع التورط في المديونية أكثر. وهي أفكار تركز على تقوية الطبقة الوسطى التي تهاوت وفقا للمحاضرين -على ما يبدو- في سنوات غير السنوات التي ترأسوا فيها الحكومة. واذا عدنا سنوات للوراء فسيجد المتابع أن كل حكومة كانت ترحّل ذات الأمراض والأزمات للحكومة التي تليها، وأن الأردنيين فقط هم من يدفعون ثمن هذا الإخفاق المتراكم.
إذا كان أصحاب هذه الأفكار الاقتصادية العظيمة ليسوا مسؤولين عن وصول مديونيتنا إلى 27 مليار دولار، وبما يشكل في نهاية هذا العام 90 % من الناتج المحلي الإجمالي؛ ولا علاقة لهم بتورم القطاع العام وتكبيره إلى درجة لا يمكن معها أن تفي إيرادات الحكومة بنفقاتها الجارية، فلا أعلم يقينا من المسؤول عن ضياع الثروة في بلادنا وسوء توزيعها، حتى وصلنا إلى أن 2 % من السكان يمتلكون أكثر من 13 % من إجمالي الدخل في الأردن.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي