ليست كلمات وحسب، صدرت عن رئيس مجلس إدارة بنك في اجتماع سنوي؛ وإنما هي تعني الكثير عندما نصدق مع أنفسنا في لحظة رصد الإخفاق الكبير، وعدم الاستفادة من التناقضات التي تتناثر من حولنا.
درج رئيس الوزراء الأسبق عبدالكريم الكباريتي على إرسال مجموعة من الرسائل خلال اجتماع  الهيئة العامة لمصرفه كل عام. هذه المرة، كان العنوان "إضاعة الحكومة للفرص الكثيرة التي خلقتها أزمة الإقليم"؛ والإشارة إلى عدم الاستفادة من الأزمة السورية، في كل القطاعات. 
إذ يرى الكباريتي أننا فقدنا فرصا كثيرة في القطاع السياحي؛ فلم تتمكن البلاد من جذب أو استقطاب السياح الخليجيين بعد. وفي الأثناء، لجأ مستثمرون كان من المفترض أن تكون عمان محطة ومنطلقا لهم، إلى دبي أو عواصم أوروبية بعيدة، تحت عناوين الفشل في الجذب الاستثماري، الصناعي والتجاري.
ظروف يراها الكباريتي؛ رجل الدولة والاقتصاد، استثنائية، وتتطلب إجراءات حكومية استثنائية. وهو ما لم يحصل؛ إذ جلسنا معا نرقب تسرب رجال الأعمال السوريين والعراقيين، والسياح الخليجيين وغيرهم، ممن كان الأولى بنا تشجيعهم على البقاء بيننا. فالرساميل السورية انخرطت في أنشطة اقتصادية قصيرة المدى والحجم، بانتظار انتهاء مسلسل القتل في بلادهم. ويؤكد رجال أعمال سوريون أنهم واجهوا الكثير من الفوضى والارتجال، وكل ما من شأنه دفع رأس المال إلى الهروب؛ فبدلا من توفير الحاضنة والرعاية اللازمتين، انطلق كثير منهم بحثا عن هذه الحاضنة في الخليج أو أوروبا.
هو تشخيص واقعي وحقيقي، يتفق معه رجال الدولة. فرئيس الوزراء د. عبدالله النسور، اعترف في وقت سابق من هذا العام أيضاً بأن الإدارة الحكومية كانت سببا في هروب أو تهريب الاستثمار. إذ لجأت هذه الإدارة إلى أدواتها المحنطة، ونسيت أن رأس المال الذي يفتش عن الربح، لا يعرف الجمود ولا يستسلم له.
في الوقت الذي أنشأت فيه مصر غرفة صناعة خاصة بالسوريين، وسوقا حرة برؤوس أموال كبيرة ومنافسة إقليميا خلال سنوات مضت، وقف مخططو الاقتصاد لدينا على ناصية الطريق، يتفرجون على مسار ملؤه الفشل؛ فلا هم عززوا حركة التصدير من منافذنا بعد تعطل منافذ العراقيين والسوريين، ولا هم أسسوا لقواعد في الإنتاج والصناعة كبيرة، تعود لرساميل عراقية أو سورية، وكأن عقدا أو يزيد على وجود الأثرياء العراقيين في بلادنا، وبضع سنوات على تواجد السوريين، ليس كافيا بالنسبة لنا من أجل تمكين تلك الثروات وتحسين شروط حياة الأردنيين من خلالها.
الاقتصادي الذكي هو الذي يقوى على صناعة لحظة النجاح من وسط الاضطراب والقلق. وكلما اتسعت دائرة عدم اليقين في الأوضاع السياسية والاقتصادية، كان بإمكان مقتنصي الفرص -من السياسيين- إحداث اختراق وتمكين رؤوس الأموال وصناعة واقع جديد، خارج مربعات التردد والخوف وقصر الرؤية.
الواقع يشير إلى أن الحكومات أسهمت في هروب عدد كبير من المستثمرين العراقيين والسوريين، في موازاة ضياع متعدد الأشكال لباقي الفرص الاقتصادية؛ في ظل تعدد مرجعية القرار الاستثماري، وغياب الخطط التي تستهدف التصدير، وإيجاد بدائل للنقل المتعطل إقليميا، أو استغلال الثروات التي تناثرت من حولنا، ثم سرعان ما اختفت بعد استقطابها من قبل إدارات اكثر مرونة في عواصم بعيدة.

 

حسن احمد الشوبكي


المراجع

ammanxchange.com

التصانيف

صحافة  حسن احمد الشوبكي   العلوم الاجتماعية   الآداب