جاء في الأخبار أن ديوان المحاسبة حقق 5.3 مليون دينار وفرا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، نتيجة عمل فرقه في تعزيز الرقابة. وإذا قسمنا هذا المبلغ على عدد الأيام (90 يوما)، يكون حجم الوفر 59 ألف دينار يوميا، وهو رقم ضئيل مقارنة بالجرائم التي تطال المال العام.
وحتى مبلغ الوفر المتحقق العام الماضي، والبالغ 64 مليون دينار، يعني توفير 177 ألف دينار يومياً. وهو رقم لا يعبر بدقة أيضا عن مجمل الانتهاكات التي طالت المال العام، في موازاة التعدي على خزينة الدولة.
وبطرح سؤال افتراضي لغايات الفهم: ماذا لو كان حجم الاعتداء على الأموال العامة يفوق مليون دينار في اليوم؛ فهل سنعتبر الكشف عن عشرة بالمئة من حجم هذه الاعتداءات إنجازا، أم سنقول إن جهاز الرقابة الذي مضى على عمله بصيغه المختلفة أكثر من ثمانية عقود، يحتاج بالفعل إلى مزيد من الاستقلالية والدعم، بغية تحقيق الفائدة المرجوة من عمله؟
نجحت إدارة ديوان المحاسبة في السنوات الخمس الأخيرة في تحقيق قدر معقول من الاستقلالية للديوان وعمله، علاوة على أن المبالغ التي تعيدها فرق الديوان آخذة في التزايد سنويا. لكن في موازاة ذلك يبدو التوسع في الجرائم التي تقع على المال العام أكبر وأكثر عمقا وخطرا على الاقتصاد الوطني.
ذلك أن أخطاء الكثير من موظفي الحكومة تتكرر، وفي الاثناء تتكاثر مخالفات استخدام المرافق والسيارات الحكومية، وهناك هدر في استخدام الماء والكهرباء والخدمات عموما. وثمة أخطاء أكبر تتعلق بالعطاءات والمشاريع التي تبرمها الحكومات مع القطاع الخاص. كل هذا يحتاج الى جهد أكثر اتساعا ليحيط بتلك المظاهر التي يصنف بعضها في دائرة الجريمة.
ديوان المحاسبة لا يقوى وحده على مراقبة كل ما يجري في القطاع العام من سلوكيات. ومهما زادت أعداد طواقمه، فإنها حتما لن تتمكن من إحكام الرقابة الفعلية على تفاصيل شؤون الدولة المالية والإدارية، بما في ذلك الهدر الذي يصيب المال العام. وهي في تقديري مسؤولية تتسع لتشمل باقي المؤسسات، بما فيها مجلس النواب والصحافة وسواهما من الجهات والهيئات المعنية بالرقابة.
يسجل لديوان المحاسبة أنه انخرط في جهود تعزيز مفاهيم المحاسبة والنزاهة والشفافية في أوساط آلاف موظفي الدولة، من خلال تدريب يقوم عليه الديوان، سعياً إلى تحسين شروط الإدارة، وبما يساعد على تقييد الهدر بعد ذلك.
كلما لامست مؤسسات الدولة جوهر عملها، تقدمت البلاد وخطت خطوات جريئة باتجاه الحوكمة وسداد الإدارة. أما حديث الشكل والاستهلاك الاعلامي والغرق في أرقام لا تعني كثيرا إذا ما تمت قراءتها على نحو مختلف، فهو ما لا نحتاجه اليوم في ظل ظروف اقتصادية قاسية لا تخفى على كل ذي بصيرة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي