في ضوء التسارع الملحوظ، وسلسلة اللقاءات المكثفة التي تعقدها الحكومة مع مختلف أطياف المجتمع وقواه المؤثرة والمتأثرة بالقرار المتوقع بتعديل آليات الدعم الحكومي، أصبحنا جميعا معنيين بحث الحكومة على تبني خطاب توضيحي شامل لأسباب القرار وتداعياته المتوقعة، بروح تنويرية وليست تسويقية، أعلم تماما أن الحكومة ورئيسها قادرون عليها.
أسئلة مباشرة يجدر التنويه إليها من قبل الحكومة، وربما على لسان رئيس الوزراء، حتى تأخذ مكانها ضمن العناوين الرئيسة للصحف.
من الأسئلة التي ما تزال دون أجوبة واضحة لدى قطاعات واسعة من الرأي العام: هل قيمة الدعم الذي سيقدم مباشرة للمواطن تساوي قيمة الدعم الحالي؟ وإن كانت كذلك، فلماذا كل هذه المرونة في الحديث عن أرقام الدعم من 70-100 دينار؟ هل سيكون الدعم لعام واحد فقط، أم أن ذلك سيعتمد على تغير وتبدل الأسعار العالمية للمشتقات النفطية؟ هل تم احتساب الآثار غير المباشرة للقرار على الأسعار، وكيف، وما هي التكلفة؟ هل تمت مناقشة بدائل تعديل آليات الدعم، مثل فرض رسوم وضرائب إضافية على المستفيدين غير المستحقين للدعم من أغنياء وغير أردنيين؛ وإن كان ذلك صعبا أو غير عملي فلماذا؟ ماذا عن الضرائب المفروضة على المشتقات النفطية؛ ما حجمها، وكيف ستصعد بعد تحرير الأسعار، وهل هناك إمكانية لتقليلها بعد التحرير، ولو لفترة مؤقتة، بالنظر إلى الارتفاع الشديد لأسعار المشتقات النفطية عالميا؟
يضاف إلى كل هذه الأسئلة سؤال آخر يتردد على لسان النخبة الصديقة للدولة، ويتعلق برغبتها في معرفة ما إذا كنا قد استنفدنا فرصنا لإقناع صندوق النقد الدولي بتأجيل أو إعادة جدولة قروضنا ضمن آلية رفع دعم أكثر تدرجا. وهل لنا أن نعرف ما هي إجابة الصندوق إذا ما طلبنا منه رفع الدعم ضمن خطة على مدى زمني أطول؟ فالصندوق في النهاية يريد أن يتأكد أنه سيسترد القروض التي سيمنحها للأردن، وهو بالتأكيد لا يريد ولا يستطيع أن يملي قرارات بعينها ذات تكلفة سياسية واجتماعية مرتفعة.
قد يكون كثير من هذه الأسئلة تمت الإجابة عنها، ولكن قرارا بهذا الحجم يتطلب مزيدا من التذكير والتنويه، وعلى لسان رئيس الوزراء ذاته. لتلي ذلك توضيحات من الوزراء المعنيين والمسؤولين الآخرين في الدولة، وهو الأمر الآخر المهم في إطار السير إلى قرار تعديل آليات الدعم؛ بضرورة تبني استراتيجية اتصال ضمن حلقات تتسع تباعا، فتبدأ برئيس الوزراء وفريقه الاقتصادي، ومن ثم الحكومة ضمن مسؤوليتها السياسية الجمعية، ومن ثم الانطلاق بعدها إلى مؤسسات الدولة الأخرى، وبروح تشاورية تجعل الجميع معنيا بالقرار ويدافع عنه كل حسب موقعه. بعد ذلك الانطلاق إلى حلقة أصدقاء القرار أو الحكومة. وتثبيت وترسيخ هذه الحلقات سيجعلان الحكومة في وضع سياسي أفضل عندما تقرر اتخاذ القرار، وسيجعلان النقاش بشأنه أو ردود الأفعال نحوه أكثر موضوعية وهدوءا.
تواجه الحكومة فجوة ثقة متنامية بين القرارات الحكومية عموما وبين الرأي العام. وهو أمر عبر عنه رئيس الوزراء بوضوح. ولهذا تحديدا، فالصبر وتبني خطاب اقتصادي وسياسي وطني تنويري في مسعى الحكومة لنقاش قرار تعديل آليات الدعم، هو أمر سيحسب لهذه الحكومة، وأحسبها قادرة كل المقدرة عليه.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد