ما يجب أن نعيه جميعا هو أن الأردن لا يستطيع إجبار أي دولة عربية شقيقة على تقديم المساعدات لنا تحت عناوين الأخوة والتعاضد والقومية والإسلام؛ فليست تلك هي الأسباب التي تجعل الدول، بما فيها الشقيقة، تساعد بعضها. نقاش المساعدات يجب أن يستند إلى لغة سياسية استراتيجية، تتحدث عن مصالح ومنافع متبادلة، بعيدا عن لغة ظلم ذوي القربى التي لا مكان لها في السياسة.
البعض بالغ، للأسف، في هذا الطرح، مشيرا إلى أن الأردن يحمي حدود الخليج الشمالية، ولهذا ثمن يجب أن يُدفع؛ وكأننا دولة مارقة "ستفلت" حدودها حتى تحصل على مساعدات. الأردن يحافظ على حدوده لأنه دولة راسخة تحترم نفسها ومكانتها الدولية والإقليمية، ومساعدة الأشقاء له ليس مقابل الدور الذي يقوم به، بل لضيق الحال الذي قد لا يمكنه من القيام بهذا الدور الذي هو خياره أساسا.
يجب الاعتراف أننا، ولسنوات طويلة، أدرنا ملف العلاقات مع دول الخليج ضمن إطار العلاقات العامة فقط، ولم نمأسس لشراكة استراتيجية مصلحية. ومع أن ذلك نجح في أكثر من محطة، إلا أن من الواضح أنه لم يعد مجديا الآن. وقد كان لا بد من التنبه لإمكانيات عدم الثبات في المساعدات الخليجية، حتى بعد أن وصلت المنحة السعودية في العام قبل الماضي وأنقذت الخزينة؛ إذ كان الحديث في تلك الفترة عن منحة على مدى خمسة أعوام مقبلة، يتسنى أثناءها إنجاز مشاريعنا الكبيرة فنستغني عن المنحة. ومع أن تفكير صانع القرار كان في تلك الأثناء منطقيا، إلا أنه لم يأخذ بعين الاعتبار أن المساعدات قد تنقطع، تماما كما حدث في أواسط الثمانينيات، وأن المشاريع الكبرى قد لا تنجز، وهذا ما يلوح في الأفق.
موقف بعض دول الخليج قد يكون بسبب توقعات مسكوت عنها لدور لنا في سورية. وهذا احتمال وارد ولكنه ضعيف، لأن موقفنا قريب جدا من موقف دول الخليج التي لم تطلب علنا دورا عسكريا أردنيا في سورية، لا سيما وأن ذلك متوفر من خلال تركيا.
مصالح الخليج ما تزال استراتيجية بضرورة الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والأمني الأردني. ويعلم الإخوة في الخليج تماما أن النار -لا قدر الله- لا تعرف حدودا. كما يعلمون أن بقاء الأردن آمنا مستقرا سيشكل رافد أساسيا واستراتيجيا لمحور الاعتدال الإقليمي برمته، وداعما أمنيا أساسيا للخليج؛ أو لم تكن هذه الأسباب هي التي وقفت خلف القرار بدعوة الأردن للانضمام لمجلس التعاون، وليتغير ذلك إلى إعطائنا صفة تفضيلية استراتيجية؟ ألا يحافظ الخليج على استثماراته من خلال دعم استقرار الأردن، أم ثمة قناعة مضللة ربما بأن ما يحدث في الأردن لن يمس أيا من هذه المصالح؟
حري بنا أن نبادر إلى شرح إلحاحية الوضع الأردني وصعوبته ضمن إطار المصالح المتبادلة مع الأشقاء في الخليج. فإن لم ننجح، فعلينا أن نلوم تقييماتنا ربما، قبل أن نلقي اللوم على فهم الآخرين لها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. محمد حسين   جريدة الغد