الأصل أن يطبق القانون، وبحرفية، على كل من يتجاوز عليه، بمن في ذلك من استخدموا شعارات مسّت ثوابت المجتمع والدولة غير المصرح باستخدامها ضمن أحكام القانون، والذي هو ملجأنا جميعا. والأولى أن يعي كل من يستخدم شعارات غير قانونية أنهم يخرقون القانون، ويتجاوزون عليه بغير حق، وأن لذلك عقابا قانونيا منصوصا عليه ضمن منظومة الدولة القانونية والقضائية.
في محطات سابقة، قمنا بالإفراج عن المتجاوزين لأسباب سياسية، انسجمت مع التاريخ السياسي المتسامح للدولة الأردنية، والذي يعد من أهم ميزاتها. ويحسب ذلك لصانع القرار لا عليه؛ وقد نجح في ترسيخ إيجابية الدولة في التعامل مع أبنائها، وحقق هدف عزل وتعرية أصحاب الشعارات غير القانونية والمستفزة. لكن بالرغم من ذلك، فإن هذه الإيجابية شكلت دعوة مفتوحة لبعض دعاة الفوضى لكي يتطاولوا على القانون، معتقدين أنه بسبب تسامح الدولة سيحصلون على عفو من قبلها عن حقها القانوني في مقاضاة المتجاوزين.
وصلنا الآن إلى مرحلة حرجة تحاول أن توائم بين رغبة الدولة في الإبقاء على صفة السماحة التي ميّزتها تاريخيا، وبين ضرورة إيقاف من يتجاوزون على القانون ويؤججون الأجواء ويشحنونها، ويستغلون بسوء نية نزوع الدولة نحو التسامح مع المتجاوز.
لا يوجد مخرج يسير من هذه المعضلة. ولكن ثمة حاجة مهمة إلى التفريق بين المؤججين والمتجاوزين عن سبق إصرار، ممن يريدون استغلال الأجواء الإقليمية للدفع بأجنداتهم المرفوضة شكلا ومضمونا، وبين من غُرر بهم أو هتفوا بشعارات تحت سطوة الانفعال؛ فهؤلاء يستحقون عقوبة مخففة، ونظرة مختلفة. نقول ذلك لأن ثمة شعورا بأن عددا لا بأس به من المعتقلين لم يكونوا يقصدون ما فعلوا، ولم يفعلوه عن سبق إصرار. وهؤلاء يشعرون أن القانون يطبق عليهم الآن بحزم، بعد أن عُفي عن غيرهم في السابق، وأن مواقفهم يجب أن تُفهم ضمن سياق أشمل من تلكم المحطة الأخيرة المشؤومة التي يدفع ثمنها الجميع، ويُحاول احتواء أضرارها من قبل العقلاء.
نريد الردع لمن يجب أن يتم ردعه، والعقوبة لمن يستحقها. لكن يجب أن نمايز بين فئات المتجاوزين والممعنين في ذلك؛ بين القلة من أصحاب التوجه المقلق المشكك بالدولة وثوابتها، وبين من هم غير ذلك، والأخيرون هم الأكثرية. ويجب أن لا نشتت انتباهنا عن الهدف الاستراتيجي الذي نحاول الوصول إليه كمجتمع، وهو عزل وتعرية المتجاوزين بإمعان، بدون أن نعاملهم كما نعامل المتهورين أو المغرر بهم، فإن فعلنا سنكون قد أكسبنا أصحاب الشعارات غير القانونية المتجاوزة، بعضا من التعاطف من ذوي وأقارب المغرر بهم، القلقين على أبنائهم وذويهم.
نحن دولة متسامحة، وتاريخنا، وبحمد الله، خالٍ من الدم السياسي. وهذا تماما ما يخلق حالة من التناغم الهائل ما بين الدولة والمجتمع، حتى لو كان هناك اختلاف على السياسات والتوجهات. وعلينا لذلك الانتباه إلى أننا في كل سياساتنا، بما فيها كيفية التعامل مع المعتقلين، يجب أن نستمر في ترسيخ نهج التسامح، حتى مع من ضل من أبنائنا.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. محمد حسين   جريدة الغد