يتمتع آل هاشم بسمات عديدة عرفتها ولامستها خلال السنوات الثلاثين التي حظيت فيها بشرف الخدمة لديهم. فهم حليمون. وهم صبورون وهم رحماء وهم اوفياء.... وفيهم كل اخلاق الملوك وآدابهم.
فعراقة النسب وقوة الشخصية والذكاء اللمّاح والفهم لطبيعة البشر اضفت على كل صفاتهم اصالة وعمقا... واذا عفوا لا يستهين الجهلاء، واذا رحموا فهم أب عطوف واذا اعطوا الكلمة فهي عنوان الذمة والوفاء واذا خطبوا فللمنابر هزة تعرو الندي الحيّي... واذا قاتلوا فهم الكواسر الذين لا يشق لهم غبار.
ان البساطة التي يترجمون فيها علاقاتهم مع الناس قد تغري البعض بالجرأة غير المطلوبة باسم الصراحة. وتواضعهم وادبهم الجم قد يدفع آخرين الى التطاول. وآل هاشم العظام بصبرهم وبصيرتهم قادرون بنظرة ثاقبة او بكلمة هامسة ان يردوا المتجاوز الى صوابه والوقح الى جادة الطريق. لا يحتاجون للكلام الكثير ولا للصوت العالي، بل هم في مذهب التأديب اساتذة كبار. ولو لم تجد هذه الوسائل كلها في ثني الغاوي عن غيه، يكون لهم فعل اقوى.
هذه المزايا والسجايا هي التي تجعلنا نشعر في الاردن اننا نحبهم، ونثق بهم. وعلاقة آل هاشم بالشعب علاقة انسانية ملؤها التقدير والحدب. وعلاقة الاردنيين بآل هاشم، أحفاد الرسول العظيم (صلى الله عليه وسلم) تكاد تكون عاطفية ملؤها الولاء والتفاني. والفرق بين العلاقة الانسانية والعاطفية ان الاولى مستقرة ثابتة اما الثانية فهي عاطفية تتأثر بالحالة التي يمر بها الانسان.
ونحن الاردنيين احببنا ملوك بني هاشم كلهم لأننا لم نر منهم الا خيرا، فهم الذين حولوا ارضنا التي قال عنها تقرير للبنك الدولي في الخمسينيات انها غير قابلة للحياة الى دولة عصرية كاملة الرموز والمؤسسات. وهم الذين تحملوا عبء البناء وسط ظروف خارقة في صعوبتها، واستطاعوا ان يصوغوا بلدا من الصخر الاجلد. وهم الذين جابوا الدنيا حتى أتت إلينا. وهم الدين لم تتلوث ايديهم الطاهرة بدم بريء، ولا بالاعتداء على أحد. بل على العكس فهم المغير المغيث اذا نادى الضعيف وامعتصماه. وهم الذين وقفوا ضد المعتدين على الضعفاء. وهم الذين قالوا الحق في زمن الرياء. والصدق في دنيا النفاق والخداع. وتحملوا الكلام الجارح ليأتوا لنا بالخير ومقومات الحياة.
واذا أبدى جلالة الملك عبدالله الثاني استياءه من سلوك ما او جماعة ما فهذا يعني انه قدر ودبر وصبر وتجلد. ولكن حكمة القائد لا تسمح له ان يدع ما يسيء الى الوطن على غاربه. فخرج الى الناس بعد صمت دام اكثر من اسبوعين ليقول لهم ايها الناس انتبهوا... الحراك السياسي في المنطقة لا يعني ان حلا جاهزا قد وضع وسوف يفرض على المنطقة، او ان مخططا رسمته وجوه عكره في زاوية ما من الكرة الارضية يستهدف الاردن ووجوده. لقد اطلعت على تقارير من هذا النوع يوما فأخافتني؛ ولكنني اقول اليوم ان الارادة الصامدة وتلاحم الشعب خلف القيادة هو الضمانة لإفشال اي مخطط.
والعجيب ان البعض ينسى قصة هذا البلد الصامد المرابط الآمن. ألم يمر في كل عدد من السنوات منذ بدايته بمؤامرات ومحاولات واستهدافات واستقواء عليه وانكار لحقوقه السيادية وإغلاق لحدوده ومؤامرات لتغيير نظامه واستهداف بالاغتيال لقادته من آل هاشم وكبار رجالات الدولة؟ ألم يصمد الاردن؟ او لم يخرج من كل هذه الاعتداءات اقوى واعز وامتن.
ألم يتحمل هذا البلد الصامد الشامخ آلاف الزلازل ومن تقلبات المنطقة والعالم؟ ألم يصمد امام الهجرات السكانية رغم شح موارده الطبيعية؟ ألم يصمد امام آثار الحروب المدمرة؟ ألم يتجاوز حالات الحصار؟ ألم يتجاوز عشرات المحن الانسانية والامنية والمالية؟
هل كان كل هذا صدفة؟ أم ان وراء ذلك تراث من مزيج صاغته قيادة حكيمة مستنيرة بهدوء وحكمة وبعد نظر؟ ان الشعب وان مال بعضه احيانا على قيادته الحانية يؤمن بدور هذه القيادة وبقائها واستمرارها. وان لم يكن هذا كله حبا فبعضه نابع من ادراكنا لمصالحنا، وهذا هو عين العقل، فبالقلب ولغته وبالعقل وثناياه احببنا آل هاشم ورضينا بهم ملوكا...
انهم رمز الاستمرار والبقاء لهذا البلد. الا اذا كنا نريد ان تمر بساطير الانقلابيين فوق هاماتنا وعصي الجلادين على أبداننا وسيوف الطغاة على رقابنا.
ان القائد الذي يجلس على كرسي عرش الاردن يتحمل من الاعباء والتبعات والمسؤوليات ما تنوء به الجبال. والمكان عند عتمة الليل فيه وحشة لمن له ضمير حي وقلب نابض. ولكن اذا طلع الفجر واشرقت الشمس اشرقت بسمته على الدنيا فملأها املا ونورا واندفاعا.
تعمر الارض نفعا للناس وان تفاوتت مصالح الناس حولها... ان ملوك بني هاشم كما قال المؤسس المغفور له الملك عبدالله الاول هم "الحكم" بين مختلف الناس. انهم المرجع الذي يعود اليه الناس لترجيح كفة الضعيف على القوي والفقير على الغني والمظلوم على الظالم والحق على الباطل... انهم ملوك الناس جميعا.
وهم يتخيرون من بين رجالات البلد من يستأنسون به خيرا وقوة وولاء ليقوم بانجاز المهام وتحقيق الاهداف... فإذا اختلف هؤلاء نظريا او عمليا او مصلحيا الى حد اضر بالمصلحة يقوم القائد رمز الاستمرارية بالتغيير... هكذا كانت. وهكذا ستبقى..
وامام الاردن حيال القضية الفلسطينية اشواط وملفات. والاردن مرتبط كل الارتباط بالقضايا الجوهرية المعلقة. هل ينسى الاردن والهاشميون في مقدمتهم القدس؟ هل يتجاهلون حقوق اللاجئين واكثريتهم يعيشون في الاردن؟ هل يتجاهل الاردن حدوده مع دولة فلسطين؟ هل يقبل الاردن هذا الاعتداء الاستيطاني الصارخ وما يحمله من تهديد بتهجير اهل فلسطين؟ هل يتناسى الاردن حقوقه المتراكمة كمواطنين وحكومة في الضفة واسرائيل؟
ان كل قرار مستقبلي يتعلق بجوهر القضية وعناوينها الرئيسية يصب في مصلحة الاردن العليا.
ولكن شتان ان يقال ان للأردن مصالح عليا في فلسطين وان يساء فهم هذا على انه تبرير لتدخل الاردن في الشؤون الفلسطينية، او ان الاردن يريد ان يحل مكان السلطة الوطنية الفلسطينية.
نحن في الاردن، بحكم الديمغرافيا والتاريخ والجغرافيا والمصير والدم والشهداء من بني هاشم ومن افراد الشعب في فلسطين او لأجلها. وبحكم المصالح المادية وغيرها، حال واحد.. توأمان... اقرب الناس الى بعضنا بعضا... ولكن لكل منا كيانه وحياته واسرته. وخصوصيته.
والاردن ليس لقمة سائغة لا لأي نتنياهو ولا لأي ليبرمان ولا لأي كينيست ولا لأي نادي ضغط صهيوني في الولايات المتحدة ولا لأي قوة لا تحبه.  لقد تجاوزنا ذلك بفضل الاشاوس من ملوك بني هاشم بعد الله سبحانه وتعالى.
ولنا رجاء وامل في الملك الشاب الذي بدأت الشعرات البيض في رأسه الجميل دلالة على ثقل المسؤولية في هذا الزمان الصعب، يا سيدي إن شعبك يحبك ويخلص لك بكل جوارحه. ولكنه كما تعود في علاقته مع اسباط الرسول من بني هاشم عزوة البلد وحملة الرسالة، ان يعتبوا وأن يأملوا؛ وانتم كنتم يا سيدي دائما تعرفون وتفهمون... ولك الحق ان ترفع اليد مؤنبا ومؤدبا.... ولكننا في نهاية الامر متفقون.
رسالة النهضة العربية والثورة العربية لم تزل تجري في دمائنا... نحن طلاب خير للأمة بقيادتكم. ونحن حفظة عهد لكم. ونحن لا نرضى الا الخير لأمتنا وابنائها. واننا نرفع الراية الخفاقة بيضاء بصنائعكم، سوداء إنْ واقعكم الاعداء، حمراء ان اشتعلت الحرب، خضراء مرابعنا بكم... دائما.
حفظ الله الاردن وحفظ له قيادته الهاشمية في الحرب والسلم، في الرفاه والتباطؤ، في الشتاء وفي الصيف.. وعلى مدى الايام والازمان.
اطعمنا الله من جوع.. وآمننا من خوف وحفظ لنا بني هاشم ملوكا وامراء لأنهم سادة قريش.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جواد العناني