نرى في كثير من الاحيان أن المقارنات عبر الزمن او في ما بين الدول في أي مجال من المجالات تستند الى الناتج المحلي الإجمالي، والدَّين يساوي عادة إما قيمة السلع والخدمات المنتجة محلياً في بلد ما في سنة ما أو كلفة إنتاج تلك السلع والخدمات، ولا نستطيع أن نقول مثلاً إن الأردن يُنفق على التعليم أكثر من تونس، أو العكس، من دون أن تقارن نسبة ذلك الانفاق الى الناتج المحلي في البلدين.
ولذلك فإن استقرار أرقام الناتج المحلي الاجمالي ضروري لغايات التخطيط، والاصلاح، والمقارنة والتحليل. وإذا لم نتأكد من صحة الرقم، فإن تحليلاتنا ومخططاتنا سوف تستند الى أرقام مشكوك فيها. وهذا يعني أن اهدافنا الرقمية ومؤشراتنا لقياس مدى بعدنا أو قربنا من تحقيق الهدف تصبح موضع تساؤل ومؤاخذة.
ولا يضير الذين يصدرون تلك الارقام أن يعيدوا تقديرها بين الفينة والاخرى بهدف زيادة الدقة في الرقم، أو ان يقولوا عند اصدار الرقم انه تقديريّ وليس نهائياً. ولكن بعدما يصدر الرّقم بشكله النهائي، وتبنى عليه كثير من سياسات الحكومة والقطاع الخاص، وتحدد بموجبه تقديرات قانون الموازنة من دخل ايرادات الحكومة الى نفقاتها؛ فإن هذا يعني أنَّ خللاً قد حصل في كل هذه الأرقام الأساسية التي ترسم الصورة عن الوضع الاقتصادي كله.
وماذا بخصوص الأرقام التي ترسل للنشرات العربية والدولية، وتصبح في متناول مؤسسات الاستثمار والنقد والديون وهيئات الأمم المتحدة، ودور البحث لدى الدول الكبرى؟ فهذه أيضاً تقوم بتحليل الوضع الاقتصادي الأردني لتبني على ذلك قراراتها في الاستثمار في الأردن، أو منحه مساعدات، أو منحه قروضاً، أو لتحديد سياساتها الاقتصادية تجاه الأردن.
ولقد قامت دائرة الاحصاءات العامة مؤخراً بتعديل أرقام الناتج المحلي الاجمالي وباقي أرقام الدخل القومي التي نشرت سابقاً لترفع الأرقام بنسب تفوق 20%. وكيف يمكن لناتج محلي أن ينشر على أنه نهائي بقيمة تقارب 12 بليون دينار ثم يعاد تقديره ليصبح حوالي 15 بليونا؟ ولا داعي للقول ما أثر ذلك على معدل التنمية السنوي، أو على معدل دخل الفرد، أو على نسبة العجز في الموازنة، أو نسب الانفاق القطاعي.
ويثير هذا الامر عدداً من الاسئلة أهمها: وماذا عن أرقام الناتج الاجمالي في السنوات التي سبقت ذلك؟ هل بقيت على حالها؟ هل أتى التغيير في أرقام السنوات التي جرى تغييرها نتيجة خطأ أو نتيجة انتهاج اسلوب جديد، أم ماذا؟ هنالك حاجة واضحة لتفسيرات أكثر وأدق .
وعلى كلٍ هذه ليست المرة الأولى؛ ففي النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي جرى اعادة تقدير لسنة من السنوات ولكن نحو الأدنى وليس نحو الأعلى. وأحدث هذا الأمر بعد صدوره عن دائرة الاحصاءات العامة ردود فعل واسعة.
لا حاجة للتذكير بأهمية ودقة أرقام الناتج المحلي الاجمالي، لأنها هي الرقم الأساسي والمؤشر الأهم في كل الاحصاءات والأرقام الاقتصادية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جواد العناني