تعيش الحركة الإسلامية أشد حالات ضعفها وانعزالها السياسي. وهي المسؤول الأول عن ذلك، لما بددته من فرص كان يمكن استثمارها لتتمكن الحركة من تبوؤ مكانة سياسية أكثر تأثيرا. على أن ذلك لا يعد انتصارا سياسيا لأيّ كان.
والمصلحة العليا للدولة هي في أن يستمر خطابها السياسي بالتركيز على أهمية ووطنية وأصالة الحركة الإسلامية، كطيف سياسي كبير ومهم للمشهد الوطني العام. ويجب تكثيف الجهد في هذه المرحلة لمساعدة الحركة على أن تخرج من عزلتها السياسية التي استمرأت، وأن ترتقي بتفكيرها وخطابها السياسي إلى مستوى المرحلة التاريخية التي يعبرها الأردن، وتنخرط في العمل العام بذهنية متقدمة، تسهم من خلالها في تطور الأردن ونمائه ضمن عمليته الإصلاحية التدرجية الناظمة.
فوتت الحركة الإسلامية الفرصة تلو الأخرى للتأثير بشكل أكثر فعالية في مسار الإصلاح السياسي، ونقاش وتوجيه السياسات العامة. وبعد عام مثير من التطورات السياسية، تجد الحركة نفسها وقد انحسرت قدرة تأثيرها على المزاج الوطني العام، وحتى على تيار متنام من كوادرها وقاداتها. وكثيرون باتوا لا يفهمون اليوم مسوغات السلوك السياسي للحركة ولا قراراتها. والثابت عند العديد من النخبة التي تقر بأهمية الحركة الإسلامية، أنها لم ترتق إلى مستوى المرحلة، ولا هي تتصرف بما يتناسب مع حجمها السياسي والوطني المهم؛ بل هي تُظهر من خلال قراراتها المصيرية المختلفة نزعة إقصائية، وأخرى استكانت للمقاطعة كخيار وحيد غير مؤثر في المشهد الوطني.
كان الأحرى بالحركة الإسلامية فهم المرحلة ودورها المؤمل فيها بشكل أدق، وأن تتجاوز مربع الحديث مع نفسها وقواعدها، لتتبنى مواقف تقنع من هم خارج دائرتها، وتريح تيارا عريضا داخل دوائر الدولة وخارجها. والحركة ما كانت لتخسر بذلك، بل كانت لتغدو أكثر تأثيرا لو أنها شاركت بإيجابية في النقاش الوطني العام والانتخابات، ومن ثم استقالت لو حدث التزوير الذي يخيفها ويخيف كثيرين. كما كانت ستكسب لو قبلت وتعاملت بإيجابية مع قوانين الانتخاب التي بقيت تبتعد عما تطرح الحركة عبر الحكومات المتعاقبة، بعد أن ظهر جليا للحكومات أن الحركة لا تريد إلا قانونا يعطيها حجما سياسيا أكبر بكثير مما تعتقد هي نفسها أنها تستحقه. وحتى في ظل قانون الانتخاب الحالي، والذي هو جدلي بطبيعته، فإن التساؤل مشروع حول: لماذا لا تشارك الحركة وهذا القانون يمكنها من ثلث مقاعد مجلس النواب بحسب التوقعات؟ لماذا سياسة السعي إلى الاستحواذ؟ ولماذا تحرم الحركة مجتمعها من إسهاماتها ونقاشاتها تحت القبة؟ أهكذا تتصرف القوة السياسية الأهم والأكبر في المجتمع؟
ما تقدم ولّد عتبا كبيرا في نفوس كثيرين على الحركة الإسلامية. ولكن، وبقدر ما ننتقد مواقف وسلوكيات الحركة، بقدر ما ندرك أنها جزء مهم من النسيج الوطني، وإضافة نوعية له. وانعزالية الحركة ليس في صالح أحد. وإذا كانت قد قادت نفسها إلى العزلة، فإن تفكير الدولة والنخب يجب أن يتمحور على استعادة وتنوير الحركة الإسلامية بدورها الوطني المؤمل، ففي ذلك انسجام مع جوهر الدولة الأردنية وتاريخها وقيمها؛ فالاختلاف في الرأي مع الإخوان، وإن كان مبررا في ضوء سلوكهم السياسي المضطرب، إلا أنه لا يعني قبول إقصائهم، فبهذا خسارة وطنية كبيرة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد