بكثير من اللاوضوح ومعرفة للانعكاسات الاستراتيجية والسياسات العملية المترتبة، تتم مناقشة توجه التحول الاستراتيجي وإعادة التموضع الذي تحاول إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تبنيه. 
الفكرة الأساسية تتمثل في اعتبار منطقة شرق آسيا الأهم استراتيجياً للمصالح الأميركية، ويجدر بالتالي أن تحصل على الانتباه الأكبر، والموارد الأكثر، من قبل أجهزة السياسات في الولايات المتحدة، فيما بات الشرق الأوسط إقليما متراجعا أو ثابت الأهمية بالمقارنة مع شرق آسيا. وقدرة أميركا على إحداث فرق في هذا الاقليم تبدو في اتجاه الانحسار والجمود، بل وفي أحيان عديدة يبدو التدخل مضرا لأنه من الولايات المتحدة، التي تبدو وكأنها استنزفت قدرتها على القيام بدور الوسيط المحايد في العديد من ملفات الإقليم، وأوضحها ملف التسوية السلمية للصراع العربي-الإسرائيلي؛ إذ تلام وتنعت بالانحياز من أطراف الصراع في كل مرة تقدم على لعب دور أو تقديم مبادرة، ما يجعل تخفيض دورها وحضورها الإقليمي خيارا استراتيجيا مفضلا.
اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط في تراجع، لأنها مستمرة في تطوير واكتشاف موارد ذاتية للنفط، وهي في طريقها الى الاعتماد الذاتي على البترول المنتج محليا، بعد أن أصبح استخراج جزء كبير منه مجزيا اقتصاديا في ظل الارتفاع المستمر في أسعار النفط العالمية. أما أمن إسرائيل، وهو المصلحة الثانية المهمة لأميركا في الشرق الاوسط، فهو محفوظ ضمن معادلات الردع الإقليمية الناظمة، ومستويات الدور الأميركي الحالية. وهذا ينطبق على التهديدات الأخرى للأمن الإقليمي والعالمي، بما فيها الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل؛ فالوجود الأميركي وآليات التعاون المتاحة الآن كافية للتعامل مع هذه التحديات.
لا ندري بعد ما هي نوعية السياسات التي ستنبثق عن هذا التوجه الاستراتيجي الجديد، وما إذا كان سينجح أو يستمر. لكن، وبالقليل الذي نعرفه عن هذا التوجه، يمكن توقع أمرين أساسيين: أولهما يتمثل في تنامٍ متوقع لدور أوروبا في الشرق الأوسط. ذلك أن أوروبا، على خلاف أميركا، ذات مصالح متنامية في الإقليم، تتمثل في الاعتماد المستمر والصاعد على النفط الشرق أوسطي، ناهيك عن متطلبات الجوار الجغرافي الأمنية التي تفرض نفسها على أوروبا بشكل أكبر بكثير من أميركا. 
أما الأمر الثاني فيبدو في أن الإقليم سيكون مدفوعا إلى تطوير آليات ذاتية للتعامل مع الأزمات الإقليمية، والتوقف عن الاعتماد على قوى خارجية لعمل ذلك، مع مراعاة دور الولايات المتحدة بشكله الجديد الذي يتبلور، وفي ذلك خير للاقليم واأمنه واستقراراه. 
التموضع الاستراتيجي الجديد لأميركا غير واضح أو مكتمل، وبالتالي غير مريح لكثير من حلفاء الولايات المتحدة، مع إدراكهم أنها لن تنسحب من الشرق الأوسط، بقدر ما تبحث عن تعريف جديد لدورها. 
العديد من خبراء السياسة الخارجية والأمنية يعتقدون ان التوجه الجديد نظري لحدود بعيدة، ولن يكون قابلا للتطبيق. فإعادة التوازن الاستراتيجي المنشود لا يمكن أن ينجح إذا لم يأخذ بعين الاعتبار مصالح حلفاء أميركا الدوليين، خاصة أوروبا، وبالتأكيد آسيا التي تنشد من أميركا دورا فاعلا في الشرق الأوسط للحفاظ على الاستقرار وتدفق النفط وثبات أسعاره، حتى لو لم يكن ذلك حاجة أميركية؛ فنمو آسيا المهم لأميركا سيعتمد على شرق اوسط مستقر، فكيف للولايات المتحدة، إذن، أن تتجاهل ذلك من خلال تموضعها الاستراتيجي الجديد!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. محمد حسين   جريدة الغد