كتب المجتمع الأردني والهيئة المستقلة للانتخاب قصة نجاح، من خلال التفاعل وإدارة العملية الانتخابية بكفاية متميزة، وبما يليق بالأردن وتاريخه ومجتمعه؛ ما أعاد الثقة في العملية الانتخابية التي تم سلبها من الأردنيين في انتخابات سابقة.
تجاوزات متوقعة وغير عميقة حدثت هنا وهناك. ونصدق كل ملاحظة قالها المراقبون. لكن مع ذلك، فإن الصورة العامة بقيت إيجابية وحضارية، تنافس من خلالها المرشحون بشرف.
نسبة التصويت التي كانت تؤرق البعض، واعتبرت مؤشرا على نجاح المقاطعة من عدمه، جاءت بمعدلات تتماهى مع نسب التصويت في الديمقراطيات المتقدمة. ويحيل كثير من راصدي الانتخابات سبب ذلك إلى وجود عدد كبير من القوائم الانتخابية التي تنافست على حصد الأصوات. والمشاركة الانتخابية المقدرة معيار على نجاعة الانتخابات، ومؤشر مهم له دلالاته المتعددة، والتي أهمها أن المداولات السياسية التي نقرؤها ونسمعها من قبل النخب، وتتحدث عن إحباط سياسي عام، باتت معزولة إلى حد بعيد عن واقع حال المجتمع ومواطنيه الذين أثبتوا أنهم ليسوا بالضرورة كذلك.
خسارة سياسية كبيرة تكبدها الإخوة الذين قاطعوا الانتخابات، وقد حرمونا وأنفسهم من إسهاماتهم التي كانت ستكون مفيدة للبلد. وهم مدعوون الآن، أكثر من أي وقت مضى، إلى الوقوف مع ذاتهم بصدق، وممارسة نقد موضوعي لمواقفهم السياسية ومقاطعتهم. ونقول لهم بكل تقدير إن عليهم النزول عن شجرة المقاطعة التي صعدوا إليها، وأن يبادروا إلى الانخراط في العمل الوطني والسياسي العام الذي يستعيد عافيته ومصداقيته. فالمقاطعة باتت معزولة وغير مقنعة، وجلّ الأردنيين، كما أظهرت هذه الانتخابات، منخرطون في عملية الإصلاح ويقبلون مصداقيتها، وإن كانوا يختلفون على التفاصيل، كما في كل مجتمعات العالم.
يحق للهيئة المستقلة أن تفخر بإنجازها الوطني المهم، وجهدها الاستثنائي الذي جعلنا جميعا فخورين ببلدنا ومنجزنا الوطني، ونضج مواطنينا. إدارة العملية الانتخابية بهذا النجاح تقودنا إلى الاستنتاج أن الأمر تعدى مجرد تحقيق النزاهة؛ فالأهم هو أن هذه النزاهة تبدو وقد تمأسست، وسيصعب الانقلاب عليها في المستقبل؛ إذ سيكون من المستحيلات السياسية على حكومات أو إدارات انتخابية قادمة إعاقة أو إيقاف المراقبة الدولية والمحلية على الانتخابات، أو عدم القيام بنفس الخطوات التي قامت بها الهيئة؛ من نشر لجداول الناخبين، أو تأكيد على سرية الاقتراع، او غيرها من الخطوات التي ثبّتت نزاهة الانتخاب.
التجربة الانتخابية، وبهذا الانفتاح، زادت بشكل ملحوظ من وعي الناخب الأردني بحقه في انتخابات نزيهة. ولن تستطيع أي جهة في المستقبل أن تمحو من عقل الناخب الأردني أحقية النزاهة وحتميتها؛ فالمواطن يدرك أن ذلك حقه الدستوري المقدس الذي لن يقبل أن يسلبه إياه أحد.
نحن بانتظار التقارير النهائية حول العملية الانتخابية من قبل الجهات المحلية والعربية والدولية المحايدة التي رصدتها مشكورة، ولكن مما شاهدنا وراقبنا، فقد كان يوم الأربعاء الماضي يوما سياسيا أردنيا متميزا، يمكن ويجب البناء عليه، لكي نؤسس لمرحلة مستقبلية إصلاحية تليق بنا كأردنيين.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد