حظيت مبادرة رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ أحمد الخطيب، بكثير من النقاش والتأويل؛ بين قابل لها ولأهميتها على الأقل من زاوية المعاناة الانسانية التي يتعرض لها الشعب السوري، وبين مشكك في أحقيتها وجدواها، باعتبارها متجاهلة لجرائم النظام ومسار الثورة السورية.
المبادرة، رغم الرفض المشروع لها من قبل البعض، تبقى تمثل تحولا سياسيا ملموسا في موقف تيار عريض من المعارضة السورية، استند إلى فهم أدق للموقف الدولي من الأزمة السورية، وقبل فكرة أن الحسم العسكري قد لا يتأتى أو يتأخر، إن لم يكن هناك تحريك أو تحول سياسي في مواقف الدول الداعمة لسورية، لاسيما روسيا.
وأهمية المبادرة سياسيا تكمن في أنها ستعرّي خطاب النظام الرسمي السوري بأنه قابل للحوار والحل السياسي للأزمة. فالمبادرة ستكشف أن القول بقبول الحوار من قبل النظام ما هو إلا أكاذيب و"بروباغاندا"، وكشف ذلك سيضعف الموقف الداعم لسورية الرسمية. فمبادرة الحوار وضعت سورية الرسمية بين خيارين أحلاهما مرّ: إن لم تقبل بها تكون قد فوتت فرصة الحوار الذي تدّعي أنها تريده؛ وإن قبلت تكون قد أظهرت ضعفا أمام مناصريها في الداخل، وبدأت تتداول في قضايا تعتبرها من المحرمات؛ مثل مستقبل الرئيس، وتغيير نظام الحكم.
بالتزامن مع المبادرة المفيدة سياسيا ودبلوماسيا، نرى تقاعسا عربيا ودوليا معيبا، بدأ يقبل ويبتاع القصة الرسمية السورية في أن بديل النظام الحالي خطير، وأن سقوط هذا النظام سيجعل من سورية لقمة سائغة ومرتعا للإرهاب وتنظيماته. صحيح أن سورية غدت أرضا مستقطبة للإرهاب والأصولية الخطيرة، وصحيح أن التخلص من هذه التنظيمات لن يكون يسيرا، وسيأخذ سنوات طويلة، ولكن الأصح هو أن استمرار حالة اللاحسم في الملف السوري هي المستقطب الأساسي للإرهاب الذي أصبح تزايده مصلحة للنظام، وسببا في إطالة عمره.
لقد وقع العالم، وكثير من الدول العربية، ضحية الخطة السياسية والإعلامية الرسمية السورية بتخويفهم من البديل ومن الفوضى، في تناسٍ غير بصير ولا أخلاقي ربما لسبب الفوضى والإرهاب والمستفيد منهما. ويجب على العالم أجمع الذي يخشى الإرهاب والأصولية المتطرفة، إدراك أن الفوضى ستستمر، والإرهاب سيتعاظم، ما دام الوضع على ما هو عليه؛ وأن بقاء النظام عامل أساسي في تعزيز ذلك. ولا بد أن نعي أيضا أن الثورة التي ضحت بعشرات الآلاف لن تخمد إلا برحيل النظام أو تغييره؛ فعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، ولم يحدث أن عادت في التاريخ الإنساني السياسي، الحديث منه والقديم.
بين الخطوة السياسية والدبلوماسية الإيجابية التي اتخذها رئيس الائتلاف الوطني السوري، والنكوص السلبي غير المتبصر للموقف الإقليمي والدولي الذي وقع ضحية "البروباغاندا" السورية الرسمية، نبقى متيقنين أن للعمل الميداني القول الفصل. ومن لا يتعظ بما حدث مؤخرا في دول عربية أخرى يخطئ حساباته، فالمفاجآت قد تحدث في أي لحظة؛ وكيف لا بعد كل هذا القتل والتنكيل والثأر السياسي الذي يملأ صدور السوريين؟!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد