كلمة (تْسُؤُ)، هي أفضل اجتهاد وصلت اليه لكتابة ذلك الصوت الذي نُُصدره عندما نريد أن نقول (لا)، أو أن نتساءل (كيف؟ لا يمكن)، أو بمعنى (بالمرَّة) أو (لَهْ .. ولو).
وهذا الصوت مستخدم كثيراً في بعض المدن مثل الخليل، ويشتهر به الأتراك أيضاً. وهنالك دعابة مفادها أن أحداً سأل شخصاً من أي بلد هو؟ فهز كتفه وحاجبيه بمعنى لا أريد أن أجيب. فاغتاظ السائل وقال "يعني ما بدك تحكيلي منين إنت يا زلمة" فرد عليه بصوت "تْسُؤ" . فضحك السائل وقال عرفتك .. إنت خليلي.
والسبب أنني بدأت بهذا الأمر هو رد الملك عبدالله الثاني على سؤال وجهه اليه فريد زكريا طالباً من جلالته أن يفسر سبب النماء في الأردن بالرغم من ضيق موارده ووعورة موقعه الجغرافي في وسط منطقة ساخنة مليئة بالنزاعات والقتال والعنف؟
وقال جلالته إنه شخصياً كقائد ومحرك لدفة الأمور لا يرضى إلا بالأهداف الكبيرة، والتركيز على الإنجاز الفعال. وقال إن الناس تبدي مخاوفها وترددها حيال ذلك باستخدام صوت "تسُؤ" .. يعني "أي معقول" .. "شو هالحكي ؟".
وحتى كتابة هذه السطور لم أطلع على كامل نص اللقاء الذي سوف تبثه محطة الـ"NN " واكتفيت بالمقتطفات التي أوردها التلفزيون الأردني من تلك المقابلة التي تمت خلال جلسة عامة من جلسات مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي احتفل هذا العام بمرور أربعين عاماً على تأسيسه.
 وأعتقد أن هذا الموقف الفكاهي قد صنعه جلالة الملك ليعبر عَمّا يجيش في نفسه، وكان لسان "حاله يقول" انظروا ماذا يقول الناس في الخارج عمّا يجري في الأردن من نمو وَنماء اقتصادي واجتماعي، وانظروا كيف يتلقاني الناس في الخارج طالبين مني أن أشرح لهم ما يمكن أن يستفيدوه من التجربة الأردنية، بينما شعبي الأردني يظهر الشك والريبة والمخاوف، ويأتي صوت "تسؤ" ليلخص هذا كله.
ولعل المعنى الخفي إذا جاز لي أن أقول، هو أن جلالة الملك يريد من الشعب أن يكون أكثر استجابة. وعلى عكس ما يمكن أن يفهم من الجملة أنّ قائلها يتحدى الصعاب وحده، فإنني أجزم أن المقصود كان أن الشعب يجب أن يستثمر فرصة قائد همام طموح فيتجاوب معه ويأخذ الموقف الإيجابي والمتفائل كي يبنى الأردن بمشاركة الشعب قائده.
ولا يستطيع أي زعيم وحده أن يبنى بلداً إلا إذا كان جزء من الناس مؤمنين واقفين خلفه، ينفذون بعقلانية، ويتابعون ما يجري، ويقيمون ما جرى، ويضعون الخطط لتنفيذ الاستراتيجية، ويحسنون نواياهم ويقهرون ضعفهم حيال من يحبون أو من لا يحبون.
إذا كان القائد الأعلى رأى في الدعابة وسيلة لبث شكواه فهو يذكرنا جميعاً بالجملة الشهيرة التي قالها دبليو . سي. فيلدزالكوميدي الاميركي الشهير "إن الكوميديا أمر في غاية الجدية".

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  جواد العناني