إمعان النظام السوري في تحويل الأزمة السورية إلى حرب طائفية إقليمية، سيحطم الدولة السورية، والفئة من السوريين التي يدعي النظام دعمها له، وسيقضي على فرص الحل السياسي التي لم نصدق يوما أن النظام يقبلها. وهذه الحرب تدفع إلى جعل سورية ميدان معركة إيران الإقليمية. إنها مغامرة خطيرة وانتحارية، ستنهي النظام، وتضرب بقوة نفوذ حلفائه الإقليميين، وستجعل من سورية المستقبل العدو الأكبر واللدود لإيران وأذرعها، وعلى رأسها حزب الله.
ندرك تماما أن النظام يعيش حالة انعدام توازن سياسي، وهو يقوم عمليا بإحراق البلد من أجل الأسد؛ صاحب هرطقة أن مطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة هي مؤامرة كونية عليه وعلى سورية. ولكن، أن تتقدم إيران ببراغماتيتها النسبية المعروفة نحو قبرها السياسي في سورية، وتنساق خلف الأسد، فهذا جنون سياسي، وهو لن يطال النفوذ الإيراني في سورية فحسب، بل سيتعداه إلى ما هو أبعد. ولا أدري أي مصلحة لإيران في أن تثير ضد نفسها وحلفائها حربا طائفية إقليمية، تعلم هي قبل غيرها من الخاسر الأكبر منها. إيران تُجن؛ فبعد أن كانت تحاول دوما تسويق خطاب غير معاد لمحيطها السني، هي اليوم في سورية تفعل عكس ذلك تماما.
سلوك إيران الأعمى في دعم نظام الأسد المتهالك، وإرسالها جماعات شيعية متطرفة لدعمه، جعلا من سورية أرضا مستقطبة للتطرف السني، حتى غدت أرضا خطرة مستقطبة للجماعات المتطرفة من كل حدب وصوب. وهو ما سيسرع من إقدامية المجتمع الدولي على التعامل مع هذا الخطر المتعاظم، ويدفع دولا كروسيا إلى أن تعيد حساباتها في ضوء هذا السلوك الأمني والسياسي المتهور.
أفعال إيران لن تفضي إلا إلى نظام متطرف في سورية في مرحلة ما بعد الأسد. وهذا ما لا يجوز للعالم ولا الإقليم التعايش معه. سورية تنجر يوما فيوما إلى أن تصبح أرضا للتطرف والغلو، ما يحتم ضرورات الحسم لهذا الملف اليوم قبل الغد، وهذا ما نرى انحيازا متزايدا له على حساب الحل السياسي الذي ما يزال الأفضل لسورية.
كل هذا الجنون الإيراني حتى يبقى الأسد في حكمه، فأي تكلفة هذه التي تتكبدها إيران وغيرها جراء دعمه؟! يؤججون حربا إقليمية شعبية وشبه رسمية ضدهم حتى يربحوا معركة كسر العظم التي يعلم من بقي من عقلائهم أنهم خاسروها لا محالة.
للسوريين رب يحميهم، ولكنهم على وشك قلب خريطة الإقليم السياسية رأسا على عقب. ومن يتفرج عليهم الآن، ولا يبادر إلى التأثير بمآلات ما سيحدث، سيدفع الثمن من مصالحه المستقبلية الإقليمية. "النأي بالنفس" أو "الحياد"، الذي أيدناه في السابق حتى عندما انساقت المواقف خلف التوجه التركي في بدايات الأزمة، استنفد أغراضه، وبات ضربا من ضروب عدم التبصر في أزمة يتدخل فيها الجميع وبرعونة، وهي في المحصلة تتجه نحو نهايات خطرة، ستنعكس على من ينأون بأنفسهم عنها اليوم؛ فهل نحن متبصرون؟ ألا نتذكر الثمن الذي دفعناه من سياسة "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق"، عندما غدا العراق ساحة مستباحة للجميع؟!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد