كثير من الأردنيين؛ النخب والعامة، الرسميون والأهليون، يرون في الأردن بلداً فقيراً في الموارد الطبيعية. وهو رأي غير صحيح؛ غير أن التكرار والترديد شاع بين الناس، وأطرب فئة منهم راحت تستخدمه إما لعرض الحال، أو للافتخار بأن ما أنجزته كان رغماً عن قلة الموارد، وبفعل إرادة متفوقة.
على صعيد النخب الرسمية والإدارات العليا، استخدمت مقولة فقر الموارد لأهداف خاصة، بررت فيها تقصيرها في البحث الجاد عن الثروات المتوافرة واستثمارها، أو عدم نجاحها في إدارة ما هو تحت الاستثمار. تسري هذه الحال على جميع الموارد الطبيعية، ابتداء من الموارد الأرضية بما فيها من ثروات معدنية ومائية وخصائص زراعية، ومرورا بمياه الأمطار والجريانات، وانتهاء بالمراعي الطبيعية والثروة الحرجية.
دعونا نتذكر تصريحات مسؤولين عديدين في سلطة المصادر الطبيعية بعد أن تركوا مواقعهم، ومنهم الثقاة والخبراء في اختصاصاتهم، عن عراقيل إدارية وشعور طاغ بعدم المسؤولية وقفت أمام استثمارات الثروات المعدنية. وقد تبين مؤخراً، بعد أن تكشفت حقائق مؤسفة عن قطاع التعدين، أن كثيراً مما قيل ويقال وكنا نصنفه في خانة الشك، ليس إلا حقائق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وقد أجلى تصريح وزير الطاقة والثروة المعدنية في الحكومة السابقة الكثير من الحقيقة في هذا المجال، عندما تحدث عن غنى الأردن بالثروات المعدنية. إذ أكد على وجود ثروات أردنية ثابتة وكبيرة من النحاس والمنغنيز والصخر الزيتي واليورانيوم وحتى الذهب، بما يضاهي الفوسفات والبوتاس ويزيد.
وعلى صعيد إدارة الموارد المائية، ما يزال فاقد الشبكات المائية يبلغ
50 %. كما أن التأخر في بناء السدود على الجريانات المائية مستمر على حاله. وقد تم التنازل عن 90 مترا مكعبا من حصتنا من مياه اليرموك لسورية في العام 1986، ولم تصلنا بعد الـ50 مليون متر مكعب الإضافية من المياه التي التزمت بها إسرائيل في اتفاقية السلام، وتحول سد الكرامة الذي أعد لاستقبالها إلى مشكلة بحد ذاته. وتأخرنا في نقل مياه الديسي 14 سنة بسبب الأخذ والرد، ولم يتجاوز حصادنا من مياه الأمطار في البادية الأردنية 10% مما هو متاح منها. بينما تركت تنمية الثروتين الرعوية والحرجية لجهود وزارة الزراعة المرتكزة على تمويل حكومي بائس.
أما المورد البشري، وهو المورد الأهم لأنه يتولى الإشراف على إدارة باقي الموارد، فهو اليوم ليس أحسن حالاً من مواردنا الطبيعية بعد أن خضع لذات المستوى من الإدارة التي لا يحركها مشروع وطني، وليس بين يديها إرادة سياسية ورؤية واضحة للمستقبل. فانتهكت استقلالية إدارات الجامعات، وتراجع التعليم والتعليم العالي بشهادة أهله، وغابت عن مراكزه بيئة البحث والعلم والأكاديميا، وتلاشت فيها الحياة السياسية، وانشغل الطلبة بنزاعات عشائرية، وأصبحت إدارات الجامعات تشرف على إنجاز صكوك الصلح العشائري التي يوقع عليها الطلبة نيابة عن عشائرهم، ويتم مهر الصكوك، لشديد الأسف، بالختم الجامعي. وباتت غالبية الخريجين لا تجد فرص التدريب والعمل، حتى تجاوز عدد العاطلين عن العمل منهم المائتي ألف، يضاف إليهم سنوياً 40 ألف خريج، لا تزيد حظوظهم في الحصول على فرص عمل على 30% في أحسن الأحوال.
إدارة الموارد البشرية والطبيعية تمثل أبرز مسؤوليات الدولة، فضلاً عن أن الإدارة نفسها تصنف اليوم كمورد من الموارد بحسب العلم الحديث، ما يضفي على الإدارة، بوجهيها السياسي والاقتصادي، أهمية خاصة، ويضعها كأولوية على أجندات الدول من أجل تطويرها وجعلها إدارة ديمقراطية ومؤسسية ونزيهة، وتحظى بقيادات كفؤة. ولعل الربيع الأردني يتفتح عن أفق جديد لإدارة مواردنا الوطنية على نحو أفضل، مستفيدين من تجربتنا السابقة وما شابها من إخفاقات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. عاكف الزعبي جريدة الغد