لم تخرج علينا حتى هذه اللحظة إحصاءات الدخل القومي عن الربع الأول من العام.
ولكنني أكاد أرى أنها لن تعكس نمواً أكثر من
2 - 2,5 %، وهذا أمر متوقع، ويجب ألا يرهبنا، ولعل المعلومات عن الربع الثاني لن تكون أحسن من الربع الأول. ولكن الربع الثالث والذي سيبدأ مطلع الشهر المقبل، ربما يشهد تحسناً ملموساً أفضل، إذ يشهد الصيف عادة مزيداً من الإنفاق الخاص، وحركة تجارية وعقارية وسياحية أفضل.
ولكن من الواضح أن النمو الاقتصادي بحاجة إلى تحريك. فمن أين سيأتي هذا الدفع للدورة الاقتصادية النشطة داخل شرايين الاقتصاد؟ ومن أي قطاعات سوف ينطلق؟
من الواضح أن الحكومة لن تزيد إنفاقها، وأن أول ما فكرت في الحد منه هو الإنفاق الرأسمالي، وتقليص بعض النفقات الجارية، وزيادة التحصيل الضريبي وتحسين وسائل الجباية. ولذلك، فإن السعي الدؤوب لتقليص العجز، ومن ثم تقليص الدين العام سيجعل هذا المصدر الدافع للنمو محدوداً بشكل كبير.
وإذا قلنا إن الإنفاق الخاص هو مصدر الدفع الاقتصادي، فإن المؤشرات حتى هذه اللحظة لا توحي بذلك، فخوف المصارف من فتح الائتمان وتشديد قبضة يدها لن يسهل عملية التحريك المالي والاقتصادي. فالبنوك تتنافس الآن على العملاء المحدودين ذوي المخاطر القليلة والديون القليلة. والائتمان الاستهلاكي قد تراجع، وصارت البنوك تعتمد أكثر على الخدمات التي تقدمها لعملائها مثل الكفالات بشروط صعبة، والاعتمادات والقبولات وغيرها.
وإذا قلنا إن الشركات سوف تنفتح على الاستثمار وتوسيعه، فليس هنالك مؤشرات على ذلك. فشركاتنا الكبرى لا تنوي التوسع، والشركات العقارية تسعى للحفاظ على بقائها، وشركات الخدمات راضية بما هي عليه.
إذن فالأبواب الباقية أمام الانطلاقة الاقتصادية هي الاستثمارات الخارجية سواء عبر المحافظ وسوق عمان المالي، أو عبر الاستثمارات المباشرة، وهذه صارت مرتبطة إما بشراء أسهم في الشركات الحكومية، أو عن طريق تدبير الأموال والقروض والمساهمات في مشاريعنا لكبرى الجديدة، وهذه عملية طويلة الأجل.
والأمر الأخير المعول عليه هو زيادة المساعدات للأردن والخزينة بالذات، حتى تستطيع أن تزيد إنفاقها. وهذا أمر يبدو في ظل الظروف الدولية ضمن هوامش ضيقة . ولذلك، فإن أمامنا في المدى المنظور واحداً من خيارين؛ الأول هو أن نرضى بمعدل نمو ضيق لا يزيد على 3 % للعام كله، ونركز على تحسين مؤشراتنا الاقتصادية العامة مثل العجز في الموازنة، والعجز في الميزان التجاري، وتوقيف النمو في الدين العام بل وتقليله الى الحد المستطاع. وهكذا نستفيد من فترة العسرة في توضيب مؤشراتنا الأساسية.
أو أننا نطلب من الحكومة أن تزيد إنفاقها عبر المديونية من القطاع المصرفي ومن الخارج بشرط إنفاق كل هذه المبالغ على مشاريع تنموية.
إن النجاح في الخيار الأول ضمن المعطيات الاقتصادية والإقليمية والدولية يعتبر إنجازاً، وعليه يُقاس نجاح الحكومة الاقتصادي هذا العام.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة جواد العناني