قصة أمن الدولة في مصر كشفت حقيقة أولية مفادها أنه لم يكن أمن دولة بقدر ما كان أمن نظام ، وهذه مشكلة بنيوية لا "تتمتع" بها أم الدنيا فحسب ، بل ربما تنسحب على كثير من الدول ، عربية كانت أم أعجمية،
على قنوات مصر ، استمعنا وشاهدنا من يشهد بأن أمن المحروسة كان: يتنصت على التليفونات ، يجند عملاء فى كل المواقع لكتابة تقارير فى زملائهم ، يجند قضاة ووكلاء نيابة لتزوير الانتخابات ، يلفق قضايا تهرب ضريبي للمعارضين ، يفرض أتاوات على معهد أورام دمنهور ، لديه مقبرة داخل مقره فى دمنهور ، العثور على شاب معتقل منذ 14 سنة طبعا بلا محاكمة ، توجد مقار سرية لأمن الدولة فيها تعذيب ومعتقلون منسيون ، وسمعنا نداءات إلى المهندسين الذين شاركوا فى بناء مقار أمن الدولة فى الأماكن المختلفة للتوجه للقوات المسلحة للإبلاغ عن الأماكن السرية لإنقاذ المعتقلين لأنهم بدون أكل أو شرب ، ونقرأ في باب "حدث بالفعل" ومن شهادات الناس العاديين: فى الزمن الماضي قام واحد من الناس بإطلاق اللحية وعند ذلك قام أمن الدولة ليلا باقتحام بيته ولم يجده فأراد أن يأخذ ابنه الشاب فقام بتفتيش مكتب الشاب ابن الملتحي لأخذ أي مستندات تدينه وعند التفتيش وجد أمن الدولة اسطوانة عليها فيلم جنسي في مكتب الشاب فاخذوا الفيلم الجنسي وتركوا الشاب،
القصص كثيرة ، والوثائق أيضا: التدبير لفتن ، افتعال قصص وأحداث ، شراء رجال إعلام ، تجنيد مطلقي إشاعات ، تخريب منشآت ، تعذيب ، واعتقالات بلا قانون ، تصفية حسابات شخصية ، دق الأسافين بين أبناء الشعب الواحد ، والأخطر بث كل ما من شأنه زعزعة الاستقرار ، وإيهام الكل أن البلد سوف تخرب ، وتدمر ، لو تم تغيير النظام ، أو حتى إصلاحه ، فأين كل هذا من مهام جهاز أمن الدولة؟
ثوار مصر فهموا القصة منذ البداية ، فكان مطلبهم الملح تفكيك هذا الجهاز ، لا إعادة هيكلته ، فما بُني على باطل يبقى باطلا ، ومن اعتاد على الفرعنة والجبروت ، وحكم الناس بالتهديد والوعيد ، أنى له أن يستقيم اعوجاجه ، ويعمل وفق الأصول؟
لهذا لم نستغرب حينما بدأ المواطنون وشباب ميدان التحرير -أعزهم الله بنصره - في مهاجمة مقار أمن الدولة ، مسنودين بأصحاب المظالم ومن لهم ثارات منذ سنوات مع هذا الجهاز الظلامي الظالم.
لقد ثبت بالوثائق والصور والوقائع الدامغة ، أن هذا الجهاز بيئة ساحرة لنشوء كل أنواع الفساد والإفساد والظلم ، وحق للثوار أن يحرقوه وينشروا غسيله المتسخ ، ويخرجوا أسراره للعلن ، فلا ثورة بلا إخراج الفئران من جحورها ، ولا دولة مدنية مع وجود مثل هذا الجهاز النتن ، الذي كان سيفا مسلطا على رقاب الأحرار ، حفظا لأمن النظام لا الدولة،
هناك موجة غضب شديدة في أوساط الشعب المصري ضد جهاز أمن الدولة ، ومطالبات بإلغاء الجهاز الذي يحمل عبء ومسؤولية الاعتقالات وانتهاك حقوق الإنسان التي جرت في العهد الماضي ، في حين يجادل آخرون بأن الدولة بحاجة لجهاز أمن لحماية الداخل وإن المطلوب هو إصلاح الجهاز بتقليص صلاحياته ، وجعلها تحت المساءلة والمحاسبة الشعبية عبر البرلمان الحر المنتخب من الشعب ، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة ، وحسنا فعل عصام شرف ، المكلف بتشكيل الحكومة المصرية الجديدة ، حين أعلن يوم الجمعة أمام مئات الآلاف من المعتصمين في ميدان التحرير ، أنه يتعهد بأن تكون قوات الأمن في خدمة الشعب المصري وأنه سيبذل كل ما في وسعه لتحقيق مطالب شباب الثورة ، وهذا هو أول رئيس وزراء ، يحمله الناس على أعناقهم ، ويستمد شرعيته من قلوبهم،
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة حلمي الأسمر جريدة الدستور