البنت الشلبية عايدة النجار، أتحفتنا مرتين، الأولى حينما خصت بنات عمان بكتابها الجميل «بنات عمان أيام زمان.. ذاكرة المدرسة والطريق» والثانية حينما عبرت بطريقة ذكية وفذة عن الرباط السري الذي يربط مدينة الجبال السبعة بالمدينة العتيقة، فأصدرت كتابها الرشيق «القدس والبنت الشلبية» وهو كتاب شلبي، بلغة شلبية، ومزج لطيف بين الـتأريخ والأدب والسيرة الذاتية، دون أن تنسى أن تزينه بصور نادرة ولطيفة لبنات القدس وأعلام ونجوم المدينة وما جاورها..

حينما تمسك بكتاب عايدة، رغبة منك في استطلاع ما يحويه، تجد نفسك منشدا على نحو استثنائي، تلفت نظرك في البداية الصور النادرة التي حفل بها، وكلف الدكتورة عايدة جهدا جبارا في جمعها، وما تلبث أن يسيل لعاب فكرك لقراءة فقرة هنا وصفحة هناك، حتى إذا تذوقت حلاوة النص، أقلعت عن فكرة القراءة الانتقائية إلى القراءة المسحية الكاملة، فتعود إلى الكتاب من بدايته لتبحر باستمتاع وتلذذّ.

في تقديمها للكتاب، تلقي عايدة ضوءا على طبيعة الكتاب الطريف، فتقول.. «للقدس مكانة خاصة في التاريخ، وعلى مر العصور، ولها منزلة في الوجدان ليس لأهلها الفلسطينيين فحسب بل للكثيرين من أتباع الديانات السماوية في العالم الذين حجوا إليها أو بقوا فيها، أو كتبوا عنها. وللقدس مكانة خاصة لمن ولد فيها من «المقادسة» أو زارها أو تعلم في مدارسها أو تجول في شوارعها ورسم صوراً دائمة للمكان وناسه في الذاكرة. ولهذه المدينة مشاعر قوية عميقة لدي، لأنني ولدت في أكنافها لفتا ـ القدس، وترعرعت في أحضانها في طفولتي، لعبت تحت أشجار التين والزيتون، زهر الرمان، والصبار الذي يسيج حواكير ريفه، وضحكت بصوت عال وأنا «أطير» في القدس العتيقة على المراجيح القريبة من المسجد الأقصى بفستان العيد «الزهري»، وأنا أكل «الكعك بسمسم»، وحلاوة العيد القاسية البيضاء، وأتذوق «شعر البنات» كعكباني اللون. القدس جزء من وجداني وهويتي التي تحمل عادات وتقاليد الوطن والأهل». تعمدت أن أسوق بعضا مما كتبته عايدة، كي أنقل للقارىء جانبا ولو سريعا جدا من أجواء الكتاب الشلبي، الذي يتمتع بلغة سلسة موحية، فيها من رائحة أيام زمان الكثير، وفيها حنين دفين لأيام الزمن الجميل، وفيه حسرة ربما تَعدّل مزاجها هذه الأيام، بعد انتفاض الشارع العربي على الظلم والاستبداد والجبروت، وهو بالتأكيد ما يمهد الطريق للقدس، ويعيد للبنت الشلبية الحزينة والمدينة العتيقة، البسمة والفرح والكبرياء

يقع الكتاب في 375 صفحة من القطع الكبير، وهو الكتاب الثالث للدكتورة عايدة النجار بعد كتابيْ «صحافة فلسطين والحركة الوطنية 1900 ـ 1948 « و»بنات عمان أيام زمان.. ذاكرة المدرسة والطريق» وهو يتناول فترة زمنية محددة لها خصوصيتها في تاريخ القدس الاجتماعي أفرزته حقبة الانتداب البريطاني على فلسطين، وفيه وصف استبطاني لبعض مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية للناس..

البنت الشلبية المقدسية التي يسكن الحزن أعماقها، ستعود كما كانت شلبية المزاج وزيادة، فرياح الحرية هبت نسائمها، مباركة هذه الرياح ومبارك كتاب الدكتور عايدة النجار.


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية