ليس فريق واحد في مصر من ارتكب الأخطاء. الأحزاب المعارضة للإسلام السياسي وللإخوان المسلمين أخطأت عندما استهانت بمسؤولياتها تجاه الثورة التي شاركت فيها؛ إذ لم تر فيها عاملاً حاسماً للتوحد في الرأي والموقف، وتراخت في موقفها أمام تقارب الموقفين الإخواني والعسكري. تيار الإسلام السياسي بدوره، وضمنه الإخوان الذين كانوا آخر الفصائل التي التحقت بثورة الشارع بقيادة شباب مصر، ارتكب أخطاء أكثر عندما مضى، منذ البداية، في مخططه للحصول على المكاسب السياسية. 
أخطاء الفريقين زرعت مبكراً عدم الثقة الذي شاب العلاقة بينهما، وأصبحت المغالبة سيدة الموقف في الساحة السياسية، وتعثرت مسيرة الثورة؛ لتدفع مصر وشعبها أثماناً كان يمكن تفاديها، وأزماناً من المعاناة كان يمكن اختصارها.
أخطاء الإخوان المسلمين ظهرت في تأخرهم في المشاركة في الثورة، والتردد الذي لازم موقفهم بعد انهيار النظام السابق ورحيل رئيسه. واستمرت هذه الأخطاء بتوافقهم مع المجلس العسكري على قلب أجندة الثورة وخطوات طريقها، بتقديم الانتخابات التشريعية على إنجاز الدستور، أملاً في أن يجعل لهم فوزهم في الانتخابات اليد الطولي في صياغة الدستور. وليس بعيداً عن ذلك تراجعهم عن إعلانهم عدم التقدم بمرشح للرئاسة، ما ترك خوفاً في نفوس باقي قوى الثورة من توجه استحواذي لدى الإخوان بالحصول على أكثرية في مجلس الشعب، ودستور يماشي أفكارهم، ورئيس للجمهورية منهم.
من جهتها، فإن القوى المدنية المنافسة للإخوان المسلمين باشرت أخطاءها القاتلة بحق الثورة عندما تفرقت في مفاوضة المجلس العسكري، فتحققت أكبر خساراتها معه عند ترتيب أولويات الأجندة الوطنية، وتقديم الانتخابات التشريعية على وضع الدستور؛ ما ترك الإخوان يفلتون من فرصة فرض دستور توافقي. ثم خاضت هذه القوى الانتخابات التشريعية في موقف غير موحد، أضعف فرصها في الحصول على عدد أكبر من مقاعد مجلس الشعب. وكررت ذات الخطأ في انتخابات الرئاسة في وضع كان ممكن لوحدتهم أن تأتي بعبدالمنعم أبو الفتوح أو حمدين صباحي رئيساً لمصر. وعندما حاصر الإخوان هذه القوى بعد ذلك في مداولات صياغة الدستور، في لجنة سبق أن وافقوا على تشكيلها، جاء انسحابهم من اللجنة غير مقنع بقدر كاف، لأنه لم يكن منظماً وموحداً، وغير مصحوب بتفسيرات وحيثيات موحدة ومعلنة.
جملة من أفعال الاستحواذ مارسها الإخوان المسلمون، أسهمت في إغرائهم بالمزيد منها جملة من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها معارضوهم بسبب عدم توحدهم. فإذا كان ليس مطلوباً من الإخوان، ولا هو واجبهم، أن يوحدوا خصومهم في الرأي وفي المنافسة على الحكم، إلا أن انفتاح الساحة أمامهم جراء أخطاء معارضيهم، قد فتح شهيتهم للاستحواذ، ولم لا؟ إنها الثقافة ذاتها؛ فقبلهم قيادات قومية بايعتها الجماهير في مصر بدون انتخابات لم يصمد أغلبها أمام إغراء الاستحواذ على السلطة، فانتهت بالبلاد إلى نظام السادات ثم نظام حسني مبارك من بعده؛ وقيادات قومية أخرى في سورية وصلت إلى الحكم بالانقلاب العسكري تحت راية حزب البعث، سلمت البلاد بفعل الاستحواذ لطغمة من عائلة الأسد وأقربائه وحلفائه من الطائفة.
صحوة الإخوان من فكرة الاستحواذ، وصحوة معارضيهم من داء الفرقة، تخرجان مخاض الثورة من محنته، وتمثلان طوق النجاة لمغادرة ثقافة الإقصاء والمغالبة، والبناء على ذلك لاستكمال مسيرة الثورة وتحقيق أهدافها، وإعطاء الأمل لكل العرب. إذ إنها في انتصار ثورتها أو في محنتها، لن تكون مصر وحيدة في جني مكاسب الانتصار، ولا في تحمل خيبات المحنة؛ بل الأمة في كل ديار العرب سوف تكون شريكة لها في الحالتين. 
لا يتعلق الأمر بآمال المصريين وحدهم؛ آمال العرب جميعاً تتعلق اليوم بوعي ووطنية نخب مصر السياسية. إنها مسؤولية شركاء الثورة المصرية الذين عليهم الارتقاء إلى مستواها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. عاكف الزعبي   جريدة الغد