الإصلاح الاقتصادي والاصلاح السياسي توأمان، وقد ادرك هذه الحقيقة جهابذة الاقتصاد.
ولذلك كان يدرس الاقتصاد والعلوم السياسية كوحدة واحدة، ولم ينفصلا عن بعضهما البعض الا بفعل التوسع الهائل كماً ونوعاً في الطبيعة النظرية لكليهما ما اقتضى الفصل بينهما والتخصص لكل منهما، ورغم ذلك فالواقع التطبيقي يؤكد أنهما متلازمان متلاصقان.
وتقدر نفقات الموازنة العامة الاولية في العام المقبل بحوالي 6.4 بليون دينار، ويبلغ العجز المقدر فيها بحوالي 1.1 بليون دينار.
ولولا المساعدات التي ستبلغ بحدود 500 مليون دينارعلى افضل حد، فإن العجز سيبلغ 1.6 بليون دينار.
وعلى أية حال، فإن الشعب الاردني سوف يمول بنود الضرائب والرسوم والايرادات الاخرى خلال العام 2011، بالاضافة الى ان عبء الديون الاضافية التي سيتحملها دافعو الضرائب في السنوات المقبلة حوالي 5.8 بليون دينار من تلك الموازنة.
فالنفقات الحكومية لا تغطى من المساعدات في معظمها، ولكنها تغطى من جيوب الناس.
وعليه، فان للناس الحق ان يسألوا من خلال ممثليهم اين تذهب اموالنا، وعلى ماذا تنفق؟ ومن هم المستفيدون منها؟
وهذه الاسئلة سوف تدخلنا بالطبع الى علم الاجتماع السياسي، وهو العلم الذي يبحث في اسلوب توزيع المغارم والمغانم بين الناس، ويتناول التنافس على اجتذاب أموال الخزينة، وعلى تقليل الأعباء الضريبية، ولذلك يثور السؤال وكيف تؤخذ هذه القرارات؟ وما هي الدوافع الاساسية للمشرع والمسؤول التي تجعله يتبنى قراراً من دون آخر؟
فمثلاً لو قلنا ان قانون المالكين والمستأجرين لا بد ان يضع سقفاً على الايجارات، فنحن نكون بذلك قد انصفنا المستأجرين على حساب المالكين للعقار، فكيف يدافع المالكون عن انفسهم، وما هي ادواتهم في ذلك؟ وكيف يستطيعون التأثير على صاحب القرار؟
وبعدها ندخل الى جانب الاقتصاد الاجتماعي، كيف تنفق الاموال العامة؟ هل ننفق دخل العاملين ام ننصف الباحثين عن العمل؟ فاذا حسبنا رواتب الموظفين والمتقاعدين فكيف نستطيع ضمن محدودية الموارد ان نعين اناساً جدداً من الباحثين عن العمل؟. وهذا يقودنا الى قرار ديمغرافي سياسي، هل ننصف كبار السن على حساب الشباب ام ننصف الشباب على حساب الكبار؟ وما هي المعادلة المثلى؟.
ولذلك، فإن الحياة تواجهنا كل يوم بخيارات صعبة. ويزداد الامر صعوبة كلما اشتدت الظروف الاقتصادية والمالية حدة، فالكعكة التي نتقاسمها محدودة، ولا تكبر إلا بمقدار بسيط لا يكاد يكفي الافواه الجديدة المتطلعة الى كسرة منها، فكيف تؤخذ الخيارات؟ ومن الذي يتحمل مسؤوليتها؟
وحتى نصل للاجابات فلا بد من التمثيل الحقيقي العادل للناس كلهم في مجلس النواب، ولا بد من فتح باب حرية التعبير عبر الوسائل المتاحة للتعبير حتى نستطيع اطلاق الآراء المختلفة بغية الوصول الى الحل الافضل، وليس الحل الكامل. واذا عبر الناس عن آرائهم وكان متخذو القرار ممثلين لهم بعدالة، فان صانع القرار سيجد طريقه نحو الحل الافضل، وسوف يرضى معظم الناس بالحل.
ان جمهور الناس ذكي ويتمتع بدرجة عالية من الحكمة، ولكن شريطة ان يعطى حق التعبير والتمثيل العادل.
ان الاصلاح السياسي والاصلاح الاقتصادي مكملان لبعضهما البعض، ولا يجوز لاي منهما ان ينظر اليه بمعزل عن الآخر.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة جواد العناني