في محاضرته، التي ألقاها رئيس الوزراء الفلسطيني د.سلام فياض الأسبوع الماضي في جمعية الشؤون الدولية، الكثير من الفكر الجديد والشجون التي تثير الوجدان والاحساس.
فالرجل يعتقد جازما أن بناء الدولة الفلسطينية ومؤسساتها أمر لا بد منه، ولا يستطيع الانتظار حتى تتوصل المفاوضات السلمية إلى قرار وتسوية مقبولة من الأطراف صاحبة العلاقة.
وهذا تفكير سليم، فبناء الدولة ومؤسساتها وتشريعاتها أمر لا بد منه، سواء توصلت الأطراف المعنية إلى حل أم لم تتوصل.
ويثور السؤال في الخاطر: ماذا كان سيكون لو أن السلطة الفلسطينية ابتدأت منذ إنشائها العام 1994 في العمل على هذا الأساس؟، ولماذا لم تقم السلطة منذ ذلك الحين بانشاء المؤسسات، وسن التشريعات، والسعي لبناء الطرق ومشاريع البنية التحتية، علما أن التمويل لم يكن عائقا آنذاك: هل كان الإحجام عن السير في هذا الطريق خطأ تاريخيا؟
وللجواب عن هذه الأسئلة، اعتقد ان التحدي الآن أمام السلطة الوطنية الفلسطينية لبناء الدولة صار أكثر تعقيدا وصعوبة، مما كان عليه الأمر قبل خمسة عشر عاما.
وأن هذه السنوات قد مضت، وليس من السهل في الظرف الحالي التعويض عنها، ولكنها ليست بالجهة المستحيلة.
وأرى ان المنهج الذي يسير عليه الدكتور سلام فياض ينطوي على حركة إيجابية، وإن أتت متأخرة، ولكن كما يقولون ان من الافضل ان تصل متأخرا خير من ألا تحضر على الاطلاق، وبسبب عدم استكمال التشريعات والترتيبات الإدارية، وتشتت الطاقات الأمنية، فإن السلطة قد انفصلت في الضفة الغربية عن غزة، وانفصلت تدريجيا عن فلسطين الخارج، وأفرزت كتلا داخل السلطة نفسها تتنافس على المراكز والنفوذ.
ويثور السؤال: هل تستطيع السلطة وحدها أن تقوم بهذا الدور، أم أنها بحاجة إلى دعم فكري ولوجستي وسياسي ومالي من قبل الأطراف العربية التي ترى لها مصلحة في قيام الدولة الفلسطينية؟.
لا بد ان يقوم المجتمع المدني العربي بدوره في هذا الامر، فالقدس يجب ان تنقذ وقضيتها ضائعة بين اللجان العربية التي لا تجتمع ولا تتحرك، والاردن يقوم بدوره في حماية الأوقاف والمقدسات، ولكن من ينقذ البيوت في القدس ويشد من عزم أهلها على البقاء فيها؟
وكذلك فإن الراحل العظيم جلالة الملك الحسين هو الذي تصدى لحماية المقدسات واحداث الإعمار في الاقصى وغيره من الأماكن المهمة، ويسير على نفس النهج جلالة الملك عبدالله الثاني.
ولقد بذل مثلا سمو الأمير الحسن عقودا وهو يدرس القدس والمقدسات، ويرصد بناء المستوطنات حتى صارت المعلومات التي جمعها مصدرا موثوقا على تطور البناء فيها.
ولا ننسى أن أناسا مثل المهندس المبدع رائف نجم وغيره قد تابعوا مواضيع الإعمار بالعمل والدراسات والتوثيق والتوعية، ولا ننسى الدراسات المتكاملة التي وضعت في التسعينيات عن المؤسسات الفلسطينية واقتصاد الدولة الفتية، والتي أشرف عليها المرحوم الدكتور يوسف الصايغ.
ان الجهود الابداعية الرسمية والفردية ضرورية، ولكن استنهاض مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية والاسلامية وكثير من انصار الحل السلمي العادل في العالم، جاهزون للدعم اذا ما استنهضت الهمم للبناء والاعمار وترسيخ قواعد الدولة المقاومة في وجه التعصب الديني والعرقي الذي تمارسه الحكومة الاسرائيلية الراهنة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة جواد العناني