يندر أن تجد خطيب جمعة يبعث في نفسك أملا، أو يحدثك حديث القلب للقلب، فقد اعتدنا على هجمات الخطباء وتخويفهم وإرعابهم للمصلين من عذاب قادم، ويندر أن يكرس خطيب موعظته للغفران وسعة رحمة رب العباد، بل إن كثيرا من هؤلاء الذين لا يتقنون لغتهم العربية، متخصصون في تسويد الدنيا في وجه العباد، وإغلاق أبواب الأمل، وربما حملهم على عدم العودة إلى المسجد، خاصة من فئة الخطائين، الذين ضاقت بهم الدنيا، فالتمسوا الراحة في ظلال المسجد.
لقد سعدت بالأمس بالاستماع لخطيب سمح طيب، في وجدانه حرقة على دماء المسلمين، كرس خطبته لهؤلاء الذين يسعدون بإراقة دماء الثوار العرب المطالبين بالحرية والكرامة، وقد حمل عليهم حملة شعواء حركت في النفس الكثير من كوامنها، وفي الثناء ساق حديثا جميلا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أسمعه للمرة الأولى، وإن سمعت ما يشبهه..
أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس بين أصحابه يوماً رجل طاعن في السن تدلى جفناه على عينيه لفرط الهرم، كبر سنه .. وانحنى ظهره ورق عظمه، يجر خطاه، وهو يدّعم على عصا .
جاء يمشي حتى قام بين يديّ النبي فقال بصوت تصارعه الآلام فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، لو قسّمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلا دَاجَةً (أي صغيرة ولا كبيرة) إِلا أَتَاهَا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فرفع النبي بصره إليه فإذا شيخ قد انحنى ظهره واضطرب أمره وقد هده مر السنين والأعوام .. وأهلكته الشهوات والآلام، فقَالَ له: «فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟» قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: «نَعَمْ تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ»، قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ:»نَعَمْ»، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى. رواه الطبراني والبزار، وقال المنذري : إسناده جيد قوي، وقال ابن حجر هو على شرط الصحيح..
فانظروا أحبائي إلى رحمة الله الواسعة، وانظروا إلى ما يفعله الكلم الطيب في نفوس سامعيه، مع التأكيد على عدم نسيان عذاب الله وانتقامه الشديد من العاصين المصرين على المعصية، الساعين بالفتنة بين الناس.
بورك ذلك الخطيب الطيب، الذي يبعث وجهه السمح على الشعور بالاطمئنان، ورقة القلب وترقرق الدمع في المآقي.
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة حلمي الأسمر جريدة الدستور العلوم الاجتماعية