الأسباب التي تقف وراء الشك أو التشكيك في الزراعة ومستقبلها في الأردن، تقوم على أسس اقتصادية تقول إنه: لا جدوى اقتصادية للزراعة، ولا ميزة نسبية لنا في أي من منتجاتها، وأنها تعيش على الدعم الذي لا قِبل لنا به، وهي بذلك مبدِّدة للموارد ولعناصر الإنتاج، وبخاصة الأكثر ندرة منها، وهما المال والمياه. وقد وجدت هذه الادعاءات من يصغي لها، ليستمر التجرؤ على جدوى الزراعة ومستقبلها في ظل ضعف الرأي المدافع عنها. فمعظم من يتصدون أو يتبرعون للدفاع عن الزراعة يقدمون خطباً وطنية، ويرفعون شعارات، ولا يقدمون إجابات تدحض الاتهامات الموجهة إليها من الجانب الاقتصادي.
بالنسبة للجدوى الاقتصادية للزراعة، فتثبتها الأرقام الرسمية التي أشارت دائماً على مر السنين، إلى أن الناتج المحلي الزراعي يزيد عن قيمة الدعم المعلن، وبنسبة لا تقل عن الضعف. ما يعني أن الزراعة تولّد فعلاً قيمة مضافة صافية، حيث بلغت العام 2010 نحو 180 مليون دينار بعد خصم الدعم المعلن المقدر بـ120 مليون دينار. وبمعرفة أن إجمالي التكاليف الزراعية نحو مليار دينار، يكون العائد على الاستثمار مع الدعم نحو 18 %، وبدون الدعم 12 %. وهذا ما كان عليه الحال منذ العام 2000. والجدوى الاقتصادية، أولاً وأخيراً، رهن بالإنتاجية التي يمكن تطويرها. فأيهما أجدى للزراعة إذا ما كانت غير اقتصادية: العمل على تطوير إنتاجيتها لتصبح اقتصادية وهو أمر ممكن، أم التخلي عنها وإلغائها إرضاء للداعين إلى ذلك؟!
أما عن الدعم المقدم للزراعة، فيقتصر على دعم الأعلاف بنحو 60 مليون دينار، وإعفاءات جمركية لمستلزمات الإنتاج المستوردة من أوروبا وأميركا بحكم الاتفاقيات معها لا تتجاوز 15 مليون دينار، وإعفاء نحو 50% من مستلزمات الإنتاج من ضريبة المبيعات بما يعادل 35 مليون دينار، وتقديم خدمات إرشادية وبيطرية وبحثية ومختبرية بنحو 10 ملايين دينار. أما القروض للمزارعين، فهي غير مدعومة، وكذلك مياه الري في وادي الأردن، حيث يعود ارتفاع تكاليف المياه إلى ضعف الإدارة وزيادة عدد الموظفين إلى الضعف. وما تتحمله الحكومة من فرق بين تكاليفها وما يدفعه المزارع، إنما تدفعه كرواتب للموظفين الزائدين عن الحاجة، وهو نوع من الدعم الاجتماعي للموظفين يجري احتسابه ظلماً على الزراعة.
ومن ناحية الميزة النسبية، تمتلك الزراعة الأردنية ميزة نسبية حاسمة في زراعة الخضار الشتوية في منطقة الأغوار، حيث يمكّنها مناخها الذي يجعل منها بيتاً بلاستيكياً طبيعياً، من إنتاج الخضار في فترة الشتاء، والتي لا يمكن إنتاجها في أي منطقة أخرى في العالم إلا في زراعة محمية ومكيفة ترفع تكاليف الإنتاج إلى ثلاثة أو أربعة أمثالها في الأردن.
يبقى اتهام الزراعة بتبديد الموارد، وبخاصة المياه الأكثر ندرة بين الموارد، والتي صارت العامل المحدد الأول للزراعة في الأردن. وهذا اتهام غير صحيح، لأن تبديد المياه سببه الفاقد في شبكة المياه المنزلية، والذي يبلغ 50 %، وبسبب ضعف مجهودات الحصاد المائي، والتقصير في تمويل برنامج ميسر لتحويل كامل الزراعة الأردنية إلى الري بالتنقيط، وبقاء استخدام المياه الجوفية دونما حماية أو تنظيم حتى العام 2002، وأخيراً بسبب سوء إدارة العرض والطلب على المياه.
نضيف إلى ذلك التذكير بأن البادية الأردنية ثروة واعدة بالحصاد المائي وتنمية المراعي، لم يجر الالتفات إليها بعد. فهي قادرة على توفير 150 مليون متر مكعب من المياه على الأقل في سدود ترابية متدنية الكلفة، وتوفير ملايين الدونمات من المراعي الضرورية لتنمية الثروة الحيوانية، وحماية البيئة والتربة بشكل خاص، والمحافظة على خصائص التربة، وحماية البادية من التصحر.
ونذكر أيضاً أن الزراعة تقدم سلة خضار غذاء رخيصا للفقراء خلال السنة لفترة لا تقل عن نصفها. وتقدم معها لحوم دواجن وبيض مائدة بأقل الأسعار الممكنة. ودعونا نفكر في كلفة استيرادها بالعملة الصعبة لو لم تكن منتجة محلياً، وبنتائج عدم إمكانية استيرادها لسبب أو لآخر حتى لو توفرت العملة الصعبة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. عاكف الزعبي   جريدة الغد