لم تعد المناداة بحكومة إنقاذ وطني شعاراً للمناكفة السياسية، ولا ضرباً من المبالغة أو حتى مسألة يجوز فيها النقاش. ما ظهر مؤخراً من الكيفية التي تدار بها الدولة والمستوى الذي وصلت إليه هذه الإدارة يدعو للذهول، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالفساد و"طوابقه" والأيدي الخفية التي تحرسه، وهي على أتم الاستعداد لحمايته حتى لو كان ذلك على حساب مصير البلد.
قبل تداعيات الكازينو سمعت من رئيس هيئة مكافحة الفساد في لقاء جمعه بمجموعة من المنخرطين بالعمل العام ما جعلني أذكره بأن الفساد الإداري بأشكاله، من إهمال واستهتار بالمسؤولية ومخالفة للتقاليد الأدبية والأخلاقية الراسخة وانتهاء بمخالفة القانون، لا يقل أهمية عن الفساد المالي إن لم يزد عليه أهمية في بعض الأحيان، ولا يجوز أن تتعامل أجهزة مكافحة الفساد مع قضايا الفساد كما لو أن الأردن شركة وليس دولة، فلا ترى من الفساد غير جانبه المالي.
فقد جاء صادماً ما ورد على ألسنة العديد من النواب ورجال الدولة والإعلام حول فضيحة الكازينو، عندما قفزوا عن كل الفساد الإداري الذي ارتكب ولم يروا فيه ما يرتب حتى مسؤولية أدبية وأخلاقية على مرتكبي المخالفات الإدارية التي انطوى بعضها على مخالفات قانونية، واكتفوا بأن لا دليل على وجود رشوة أو تربح مالي لأي مسؤول ممن انخرطوا في اتفاقية الكازينو. وحتى في الجانب المالي، لم يلفت نظرهم خسارة خزينة الدولة التي ما يزال احتمالها مفتوحاً لم يقفل بعد بغرامة تزيد عن بليون دولار هي الشرط الجزائي المستحق على الحكومة إذا ما ألغت الاتفاقية.
أما وإن وصلت الأمور إلى وزراء يوقعون عن غيب، والتحقيق مع رئيس الوزراء ومع مجلس وزراء بكامل أعضائه، وإلى التراشق بالاتهامات بين وزراء، وبين وزراء ورئيس الوزراء وإلى اتهام لجنة التحقيق لرئيس الوزراء ومعظم وزرائه، واتهام مجلس النواب لوزير وتبرئة رئيسه، فإن انعدام الاحترام للقوانين ولأدبيات وأخلاقيات الإدارة العامة صاحبة الولاية يكون قد وصل ذروته.
لن ينقذ البلد من أزمته سوى حكومة إنقاذ وطني تتميز برئيسها وشخوص وزرائها، وتملك خطة وطنية محكمة وشفافة تحدد أهدافها بوضوح، وتضع لتنفيذها برنامجاً زمنياً محدداً، بما يمكنها من بث الثقة في نفوس الناس وإقناع الشارع بإعطائها الفرصة على أمل الوصول إلى مرحلة الالتفاف حول الحكومة وبرنامجها، لأن ما من أحد يريد للأزمة أن تنفجر في وجوه الجميع ويكون الوطن هو الخاسر الأكبر بالوصول إلى نقطة اللاعودة.
الحكومة الحالية في مهب الريح، والحكومة التي سبقتها سقطت بعد 40 يوماً من تشكيلها، فما عسى أن يكون مصير الحكومة القادمة إن جاءت على شاكلة سابقاتها، ولم تكن قولاً وفعلاً حكومة مختلفة وجديرة بأن تتولى إنقاذ الوطن الذي وضعه الاقتصادي ليس أقل سوءاً من وضعه السياسي، فيما يحاول البعض أن يضيف إلى ذلك ما يسيء إلى الوحدة الوطنية في وقت يبدو فيه جميع أبناء الوطن مستاوين تحت وطأة الفساد السياسي والاقتصادي والإداري.
لننتبه جيداً، فأمامنا فرصة واحدة أخيرة عنوانها حكومة الانقاذ الوطني بعد أن كاد الناس يفقدون ما تبقى من قليل الأمل لديهم.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. عاكف الزعبي   جريدة الغد