قبل عدد من السنوات، نزلت ضيفاً في "نادي الأساتذة" بجامعة هارفارد، حيث كنت ألقي مجموعة من المحاضرات، وأشارك في الإشراف على رسالة الدكتوراه لطالب فيها. وكنت ألتقي صباحاً على مائدة الإفطار مع عصارة العصارة من عقول الولايات المتحدة حيث حصل عدد منهم على جائزة نوبل في الاقتصاد أو العلوم.
وفي اليوم الثاني سألني أحدهم عن الثنائي الملكي، الملك عبدالله الثاني والملكة رانيا. فقلت له إنهما زوجان مثاليان، ولهما قصة إنسانية، لقد تلاقيا وتحابا وتزوجا وأنجبا بنين وبنات. فقال دعني أقل لك شيئاً. هذان الزوجان يمثلان بالنسبة لنا الوجه العربي الحضاري الذي يغاير الصورة المرسومة في أذهاننا عن العرب، تلك الصورة النمطية التي زرعتها في قلوبنا وعقولنا أجهزة الإعلام.
وقلت إن لدينا في بلدنا الساحر والآسر قصصاً تكاد تقرب من الخيال. تصور مثلاً أن يوجين بلاك، رئيس البنك الدولي أنكر على الأردن العام (1957) الحصول على قرض تنموي من البنك لأن الأردن لم يكن في رأيه قادراً على السداد، ولم يتجاوز القرض المطلوب آنذاك بالملايين نصف ما نقترضه الآن بالبلايين.
هل تعلمون يا سادة أن 30 – 40 % من الأطفال في بعض القرى كانوا يموتون في العقود الأولى من القرن الماضي بمرض الحصبة؟ ونحن الآن نفاخر الدنيا بأننا من أكثر دول العالم تقدماً في مجال الرعاية الصحية للأطفال. أوليست هذه قصة يحاكي الخيال فيها الواقع، وليس العكس؟
أوليست هي قصة خيالية من نسج "يوهان كريستيان أندرسون" أو الأخوين "غريمز" أن الأردن الذي ورد في كتاب "بنجامين هيجنز" عن التنمية الاقتصادية العام 1962 والذي درس في الجامعات أن الأردن واحد من أفقر ثلاث دول في العالم في الموارد الطبيعية، يصبح الآن متفوقاً على كثير من الدول التي تتمتع بموارد متكاملة؟
إن الأردن أرض الأحلام الجميلة. لقد صار الثنائي الملكي عبدالله ورانيا صورة مشرقة للأردن. فهما وجهها الحضاري، والثقافي، والتنموي، والإنساني. وكذلك دأب آل هاشم كلهم. فها هو الأمير رعد بن زيد يحظى بجائزة دولية في القيادة بسبب رعايته الإنسانية للمكفوفين وغيرهم من أصحاب الإعاقات الجسدية؟ أولم يحقق الأمير علي بن الحسين إنجازات رياضية رفيعة؟ أولم يملأ صوت الأمير الحسن بن طلال الدنيا بثقافته ومواقفه المتميزة، أولم يحقق الأمير فيصل بن الحسين إنجازات أكاديمية مبهرة في جامعة "براون" وغيرها؟؟ ولكل الأمراء مواقف متميزة. وإنجازات جميلة.
ونظر إليّ جميع الأساتذة الذين كانوا يستمعون بشغف شديد. فقلت لهم ضاحكاً "أيها الأساتذة الكبار، لقد نجحت أن أستخرج في حكايتي عن الملك عبدالله والملكة رانيا أمرين فيكما: الأول أنكم تريدون أن تلامسوا ذلك الطفل الذي ما يزال يسكن في أعماقكم بالحديث عن القصص الخيالية. والثاني أنكم ما تزالون تحنون إلى الملكية رغم افتخاركم بجمهوريتكم أولستم تنحدرون جميعاً من نظم ملكية. إنجلترا، السويد، إسبانيا، هولندا، الدنمارك.. إلخ". فضحكوا.
واختتم أستاذ عريق في علم الاقتصاد الجلسة بقوله: أنتم لديكم قصة رائعة في الأردن، فاستثمروها في جلب السياحة والاستثمار والتجارة والصناعة والتكنولوجيا إلى بلدكم". فقلت هذا ما يفعله الملك باستمرار وحمانا الله من أصحاب الرؤوس الحامية، والألسنة الحداد.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جواد العناني جريدة الغد