بحسب اتفاقية العام 1953 بين الأردن وسورية، تبلغ حصة الأردن من مياه نهر اليرموك 377 مليون متر مكعب، من ضمنها 296 مليون متر مكعب للضفة الشرقية. وعندما حاول الأردن العام 1975 إقامة سد الوحدة (المقارن)، طلب الممولون الدوليون موافقة من سورية. ومن تلك النقطة تعرف الأردنيون على ممانعة النظام السوري التي استمرت حتى العام 1987، حين رضخ الأردن لشروط الممانعة، وتنازل عن 121 مليون متر مكعب من حصته المائية لكي يوافق النظام السوري على إنشاء السد؛ ولتنخفض بذلك حصة الأردن إلى 175 مليون متر مكعب، وترتفع حصة سورية من 90 مليون متر مكعب إلى 211 مليون متر مكعب.
وتضمنت اتفاقية العام 1987 إنشاء سورية 25 سداً على النهر بطاقة تخزينية لا تزيد على 156 مليون متر مكعب فقط، من ضمن حصتها الجديدة البالغة 211 مليون متر مكعب. لكن سورية خالفت الاتفاقية كالعادة، وبنت 37 سداً بطاقة تخزينية تبلغ 211 مليون متر مكعب. ثم ذهبت إلى التعدي على المياه الجوفية لحوض النهر، غير مكتفية بالتعدي على المياه السطحية؛ فحفرت ألفي بئر، وأقامت 80 مضخة لضخ الماء من النهر، مستولية بذلك على 100 مليون متر مكعب، وليبقى للأردن 75 مليون متر مكعب فقط لا غير.
ليت الأمر توقف عند هذا الحد! بل قامت السلطات السورية بما لا يخطر على بال؛ إذ أنشأت قنوات لنقل المياه بين سدودها الـ37 لضمان أن لا تصل أي نقطة ماء يمكن تخزينها في تلك السدود إلى الأردن. وآخر ما فعلته أنها رفضت القيام بالتخزين المتزامن بين سدودها وسد الوحدة، لأن التوزيع المتزامن يحقق العدالة، بحيث يتوزع الغنم والغرم سوياً بين الدولتين في سنوات المطر وفي سنوات الجفاف. وبرفضها، صار الغنم من نصيبها دوماً، والغرم دوماً من نصيب الأردن، بحسب العدالة والأخوة بطريقة الممانعة.
في ضوء ذلك، طالب بعض خبراء المياه الأردنيين بتغيير تصميم بناء سد الوحدة لتخفيض سعته التخزينية، بعد أن أصبح المكتوب السوري الشقيق معروفاً من عنوانه. لكن الأردن على ما بقي من أمل الأخوة، أكمل في العام 2008 بناء المرحلة الأولى من السد التي تتسع لحوالي 110 ملايين متر مكعب. ومنذ ذلك التاريخ تتراوح هدية أشقائنا السوريين المائية لسد الوحدة ما بين 10 ملايين متر مكعب في سنوات الجفاف، و40 مليون متر مكعب في السنوات الماطرة، ما جعل سد الوحدة بلا ماء وبلا جدوى اقتصادية تقريباً.
من عجب ما كنا نسمعه من الذين لا يريدون أن يصدقوا أن النظام السوري الممانع يمنع المياه عن أرضنا، ويعطش شعبنا، في استقواء على حقوقنا، هو الأسوأ. ومن عجب أيضاً ما كنا نسمعه منهم وما نزال نسمعه حتى اليوم من أعذار أين منها الذنوب، وهم يعيرون الأردن على عدم تحصيله حقوقه المائية من إسرائيل، ويطالبونه بتحصيلها قبل أن يطالب بحقوقه المائية من سورية؛ وكأن سورية سباقة في تحصيل حقوقها المائية أو الأرضية من إسرائيل، فيطالبون الأردن بالحذو حذوها!
ومن عجب أكثر أنهم ما يزالون يرددون مقولة الحكومة السورية بأن استحواذها شبه الكامل على مياه اليرموك هو بقصد حجبها عن إسرائيل التي كانت تستولي على الفائض البالغ 50-100 مليون متر مكعب، بسبب عدم وجود سد ينظم تدفق جريان النهر. فما هي الحال الآن وقد بنى الأردن سد الوحدة، كما بنى سداً تحويلياً عند العدسية لتنظيم الفائض، فزال العذر الذي كانوا يقولون به لإضفاء موقف قومي على الاستيلاء على المياه الأردنية؟ الحال هي كما يعلم الجميع أن الاعتداء السوري المائي ما يزال قائماً، بينما ضائقة الأردن المائية تزداد مع كل يوم.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة د. عاكف الزعبي جريدة الغد علاقات دولية